الدكتور ألويسيوس ألتسايمر

ألتسايمر: العالِم والمرض

قيل إن أحد أسباب وفاة الفنان محمود ياسين، رحمه الله، تبعات إصابته بمرض الخرف، التسايمر.

وأنا أخشى من “الخَرَف Alzheimer” مرتين:

١- على المستوى الإنساني البشري، لأنه مرض قد يصاب به أي منا، ونعوذ بالله منه

٢- وعلى المستوى اللغوي، بسبب الخطأ الكبير المستشري في الصحف العربية والمواقع الإخبارية العربية ووسائل الإعلام العربية، وحتى الأفلام العربية في كتابة اسم هذا المرض المفترى عليه.

وترجع الحكاية إلى ما يزيد على مئة عام. ففي ١٩ ديسمبر من عام ١٩١٥ توفي عالم ألماني، وقبل وفاته بسنوات تمكن هذا العالم من رصد أول حالة من مرض “الخَرَف”. وهذا الرجل هو دكتور ألويسيوس ألتسايمر – Dr. Aloysius Alzheimer. واعترافا بفضله سُمي المرض باسمه.

ومن هنا لا نخطئ إذ نقول إن ألتسايمر Alzheimer كان رجلا، قبل أن يصبح مرضا. ولا أظنه يرضى أبدا أن نغير من سحنته بتشويه اسمه وتحويله إلى “ألزهايمر”! بل تراه في قبره متقلبا، ولكن بلا حول ولا قوة له.

واسم الرجل Alzheimer – تبسيطا لشرح الحكاية قد يكون مكونا من ثلاثة مقاطع، هي:

• ألـ – Al

• تسايـْ – zhei

• مـَر – mer

ولا خلاف على نطق المقطع الأول (ألـ – Al). كما أنه لا خلاف على لفظ المقطع الأخير (مـَر – mer). لكن المشكلة تكمن في نطق المقطع الأوسط (تسايـْ – zhei).

وفي هذا المقطع صوتان ممثلان بأربعة أحرف. وهنا لب المشكلة.

فنحن عادة نخلط بين الحروف والأصوات عند نطقنا للكلمات سواء في لغتنا الأم أم للكلمات الأجنبية. وليس في لغات العالم لغة تتطابق فيها أصوات تلك اللغة والحروف التي تمثلها.

الصوتان في المقطع الأخير هما صوت (تس ـ z) وهو صوت صامت أو ساكن (consonant) مركب (geminate)، أي يتكون من عنصرين صوتيين هما (ت + س)، مثله في التركيب مثل صوت الجيم العربية كما ينطقها مجيدو قراء القرآن الكريم، فهو صوت مركب يتكون من عنصرين هما (د ”مثل أول كلمة دم“ + ج ”مثل أول كلمة جميل في اللهجة اللبنانية).

أما الصوت الثاني فهو صوت صائت أو حركة (vowel)، وهو مركب أيضا (diphthong). والتركيب هنا يعني أيضا وجود عنصرين صوتيين هما e + i. والصوت الناتج منهما يشبه في نطقه الحركة المركبة في كلمة (سيف) العربية.

بقي صوت ساكن أو صامت أخير لم نذكره، وهو الذي يمثله الرمز الكتابي أو حرف.

وهذا الصوت في اللغة الألمانية في بداية الكلمات ينطق مثل صوت (هـ) العربية. أما إذا وقع هذا الصوت بعد حركة فهو إشارة إلى طول هذه الحركة نطقا أكثر من طولها المعتاد إن لم يتبعها حرف (h). لكنه إذا ظهر بعد صوت ساكن أو صامت آخر مثله (مثل ذلك zh) فهو حرف شبه صامت silent letter لا يحظي بالظهور الذي يناله إذا كان في أول الكلمة.

وهكذا ندرك أن صاحبنا – أعني الرجل العالم الألماني – اسمه هو أل + تسـايـ + مر، أي ألتسايمر، ولم يكن أبدا ”ألزهايمر“ منذ ولادته.

وهكذا سُمي المرض الذي لقب باسمه. فهلا احترمنا الرجل واسمه، واللغة الألمانية وقواعدها الصوتية؟

ولنا في اللغة الفارسية مثال جيد. فهي لغة تكتب بحروف عربية، ومع ذلك لم يقع أهلها في مزلق نطق الحروف المكتوبة في كلمة ونطقها، كما انزلقنا نحن العرب. فالكلمة في الفارسية هي (آلزايمر) Alzheimer وهي أقرب صيغة للأصل.

للمشاركة على :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

البحث

محمد العشيري

عملت محاضرًا في اللغة والثقافة العربية في جامعة برمنجهام البريطانية. درَستُ علم الأصوات اللغوية وعلم اللغة وتخصصت فيهما، ثم درَّستهما فيما بعد. وتشمل مجالات اهتمامي علوم اللغة العربية، والخطاب الإسلامي، واللغة في وسائل الإعلام. عملت أيضًا في جامعة وستمنستر في لندن، وجامعة عين شمس المصرية في القاهرة. وعملت مذيعا ومقدم ومعد برامج في هيئة الإذاعة البريطانية. من بين مؤلفاتي: “أصوات التلاوة في مصر: دراسة صوتية، و“عربية القرآن: مقدمة قصيرة”، و”كتاب الزينة في الكلمات الإسلامية والعربية لأبي حاتم الرازي: دراسة لغوية”. ونشرت مجموعة قصصية تحت عنوان “حرم المرحوم” وكتبا أخرى.