مصر أكبر من قضاتها

مصر أكبر من قضاتها

في ٢٤ يونيو ٢٠١٤ أصدرت محكمة مصرية أحكاما على بعض الصحفيين في محطة الجزيرة الفضائية. وكان رد فعل شبكات الإعلام في العالم على تلك الأحكام شديدا.

ومن بين من وقفوا احتجاجا على معاملة الصحفيين في مصر تلك الأحكام بصفة عامة، وعلى تلك الأحكام صحفيون من بي بي سي، وكنت واحدا منهم.

وحينما نشرت صور للصحفيين المحتجين أمام مبنى بي بي سي علق بعض الناس مندفعين بتعليقات عاطفية لا محل لها.

وكتبت وقتها أقول لهم:

ما حدث أمام مبنى بي بي سي من احتجاج ليس احتجاج دولة، وليس احتجاجا على دولة، حتى لا نبالغ في الأمور، بل هو احتجاج صحفيين في بي بي سي وغيرها تكاتفا مع زملاء لهم صدر عليهم حكم قد يكون جائرا. وهؤلاء جميعا تابعوا المحاكمة ورأوا الأدلة التي عرضت وأثارت من أسف سخرية الحاضرين، لأنها لم تكن ذات صلة.

وأنا لا أبرئ شبكة الجزيرة من تهمة التحيز لجانب على حساب آخر، ولكن بإمكان السلطات منعها من العمل على أرض مصر، مع ما في هذا من إساءة لسمعة بلد كبير مثل مصر، وليس حبس الصحفيين لهذا العدد من السنوات الذي ربما لم يواجهه أناس قتلوا متظاهرين سلميين هو الحكم الرشيد.

وأنا لن أتحدث هنا عن القضاء، لكن دعوني أسأل:

ما هو العقاب الذي تلقاه قتلة المتظاهرين، وفاقئي عيونهم، ومن مارسوا التحرش بالفتيات؟

وقضاء بريطانيا يا سادة، لمن غمز ولمز، هو القضاء الذي رفض دعوى الحكومة البريطانية على المعارض السعودي محمد المسعري الذي اتهمته الحكومة بتهديد أمن البلاد، ورغبت في إبعاده، بعد ضغط سعودي.

ورفض القضاء البريطاني الدعوى لأنها بلا أساس.

أرجو ألا ننساق وراء العاطفة ونحن ندافع عن حكم قضائي متوهمين أننا ندافع عن مصر.

فمصر يا سادة أكبر من حاكمها، وأكبر من قضاتها، وأكبر من قطر، وأكبر من انتقاد صحفيين، وأكبر من محطة إخبارية، فلا تصغروها ولا تحقروا شأنها، بل طالبوا الجميع بأن يكون على مستواها الكبير، وعلو كعبها.

للمشاركة على :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

البحث

محمد العشيري

عملت محاضرًا في اللغة والثقافة العربية في جامعة برمنجهام البريطانية. درَستُ علم الأصوات اللغوية وعلم اللغة وتخصصت فيهما، ثم درَّستهما فيما بعد. وتشمل مجالات اهتمامي علوم اللغة العربية، والخطاب الإسلامي، واللغة في وسائل الإعلام. عملت أيضًا في جامعة وستمنستر في لندن، وجامعة عين شمس المصرية في القاهرة. وعملت مذيعا ومقدم ومعد برامج في هيئة الإذاعة البريطانية. من بين مؤلفاتي: “أصوات التلاوة في مصر: دراسة صوتية، و“عربية القرآن: مقدمة قصيرة”، و”كتاب الزينة في الكلمات الإسلامية والعربية لأبي حاتم الرازي: دراسة لغوية”. ونشرت مجموعة قصصية تحت عنوان “حرم المرحوم” وكتبا أخرى.