اسم “فلسطين” وشهر نوڤمبر

فلسطين ونوڤمبر

فلسطين ونوڤمبر

لما تزل “فلسطين” تفرض اسمها على وسائل الإعلام، خاصة في شهر نوڤمبر، بالرغم من مساعي بعض تلك الوسائل إلى تفادي الاسم، وأحيانا إلى طمسه، أو محوه.

أما العلاقة بين فلسطين وشهر نوڤمبر فهي علاقة غريبة.

ففي ٢ نوڤمبر عام ١٩١٧ كان وعد بلفور، الذي مهد الطريق للاستيلاء على جزء كبير من فلسطين.

وبعد ثلاثين عاما، وفي ٢٩ نوڤمبر عام ١٩٤٧، صدر قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين.

بيد أن أروقة المنظمة الدولية ذاتها شهدت بعد ذلك التاريخ وفي ١٣ نوڤمبر عام ١٩٧٤ الخطاب التاريخي لياسر عرفات زعيم منظمة التحرير الفلسطينية.

وعقب ذلك بأيام قليلة أعلنت الأمم المتحدة في ٢٢ نوڤمبر قبول منظمة التحرير عضوا مراقبا فيها.

ثم دعت الجمعية العامة في المنظمة الدولية في عام ١٩٧٧ في قرار رسمي إلى الاحتفال بيوم دولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني في ٢٩ نوڤمبر، وكأنها بدأت تشعر بالظلم الذي ألحقته بهذا الشعب.

وفي ١٥ نوڤمبر عام ١٩٨٨ صدرت في الجزائر وثيقة إعلان استقلال دولة فلسطين.

وفي ١ نوڤمبر، بعد ذلك بثلاث سنوات، في عام ١٩٩١، استكمل مؤتمر مدريد للسلام جلساته، التي بدأت في ٣٠ أكتوبر.

ثم أصبح للفلسطينيين في عام ١٩٩٨ مطار دولي افتتحه الرئيس الأمريكي بيل كلينتون في شهر نوڤمبر في غزة.

وكما شهد نوڤمبر لمعان نجم ياسر عرفات حينما اعتلى منبر الجمعية العامة في الأمم المتحدة، شهد أيضا انطفاء هذا النجم في ١١ نوڤمبر عام ٢٠٠٤.

لكن اسم فلسطين ظل حتى بعد رحيل ياسر عرفات، واتخذت الجمعية العامة في ٢٩ نوڤمبر من عام ٢٠١٢ قرارا بأغلبية كبيرة لمنح فلسطين وضع دولة غير عضو مراقب في المنظمة الدولية. وأيد القرار ١٣٨ دولة، وعارضته تسع دول، وامتنعت عن التصويت ٤١ دولة أخرى.

فلسطين والفلسطينيون

أما الاسم فلما يزل الخطاب الإسرائيلي يحاول منذ السنوات الأولى لإنشاء الدولة طمس الهوية الفلسطينية برمتها، حينما نفت جولدا مائير وجود الفلسطينيين، قائلة “لا يوجد شيء اسمه شعب فلسطيني، … وليس علينا أن نأتي ونُخرجهم من البلاد، فهم ليسوا موجودين”.

وحتى يبلغ هذا الخطاب هدفه، بدأ يطرح هوية بديلة، هي “عرب إسرائيل”. وهذا البديل يحقق هدفين في الوقت ذاته. أولهما طمس الهوية الفلسطينية، وثانيهما تأكيد صلة الفلسطينيين بجيرانهم العرب. ولا يخفى أن ما تفضي إليه هذه الهوية البديلة هو أن المكان الطبيعي لعيش الفلسطينيين هو البلدان العربية.

ومازال بعض الصحفيين والكتاب العرب، بل حتى الفلسطينيين أنفسهم، والمواقع الإخبارية العربية، يقعون في شرك هذا الخطاب الإسرائيلي ويستخدمون تلك الهوية البديلة.

وهناك مواقع تخشى سطوة جماعات الضغط، فتتفادى اسم فلسطين، وتصر على صيغة بديلة مثل “الأراضي الفلسطينية”. ويزداد حذر بعض الصحفيين فيتجنبون تعبيرات من قبيل “الضفة الغربية المحتلة” و”القدس الشرقية المحتلة”، فيسقطون صفة “المحتلة”، بالرغم من أنها صفة يؤيدها القانون الدولي.

وآمل أن يراجع هؤلاء الصحفيون موقع الأمم المتحدة – باللغة الإنجليزية أو العربية – ليروا أن المنظمة الدولية تستخدم اسم فلسطين، وتنعت الأراضي الفلسطينية التي لا تزال تحت سيطرة إسرائيل بالمحتلة.

وهذا هو القانون الدولي الذي يحكم الجميع، وليس خطاب المحتل الذي يرهبه بعض الصحفيين، ويجاريه بعضهم الآخر.

للمشاركة على :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

البحث

محمد العشيري

عملت محاضرًا في اللغة والثقافة العربية في جامعة برمنجهام البريطانية. درَستُ علم الأصوات اللغوية وعلم اللغة وتخصصت فيهما، ثم درَّستهما فيما بعد. وتشمل مجالات اهتمامي علوم اللغة العربية، والخطاب الإسلامي، واللغة في وسائل الإعلام. عملت أيضًا في جامعة وستمنستر في لندن، وجامعة عين شمس المصرية في القاهرة. وعملت مذيعا ومقدم ومعد برامج في هيئة الإذاعة البريطانية. من بين مؤلفاتي: “أصوات التلاوة في مصر: دراسة صوتية، و“عربية القرآن: مقدمة قصيرة”، و”كتاب الزينة في الكلمات الإسلامية والعربية لأبي حاتم الرازي: دراسة لغوية”. ونشرت مجموعة قصصية تحت عنوان “حرم المرحوم” وكتبا أخرى.