الهاتف المحمول ودرس في الصرف

الهاتف المحمول ودرس في الصرف

قبل ثمانية وأربعين عاما، تمت أول مكالمة من هاتف محمول بين موظف في شركة موتورولا الأمريكية ومعامل شركة بيل للاتصالات الهاتفية والتلغراف. 

وكانت زنة الهاتف آنذاك ١.١ كيلوجرام. وعرف هذا الجهاز الجديد في الإنجليزية الأمريكية بمصطلح (cellular phone)، واختصار (cell phone)، وهوالهاتف الذي يعمل بإشارات الراديو، ولا يحتاج إلى أسلاك. 

لكنه عرف في بريطانيا بمصطلح (mobile telephone)، واختصارا (mobile phone) أو(mobile)، ثم كُتب الشيوع لهذا الاسم. وهذا ما اختلف بشأنه المعربون في العربية.

وكشف اختلافهم عن عدم معرفتهم بأساسيات علم صرف العربية التي يقولون إنها لغتهم الأم. فأطلقوا عليه الهاتف (الموبيل)، و(الخليوي)، و(النقَّال)، و(الجوَّال)، و(السيَّار)، و(المتنقل)، و(المحمول).

كما كشف أيضا عن غفلتهم عن الميزة الأساسية لهذا الجهاز الجديد، التي تميزه من أجهزة الهاتف الأرضية القديمة. 

وأنا أشير هنا إلى أنه هاتف يسهل حمله معك أينما توجهت، لصغر حجمه، وتحرره من ذيول الأسلاك المقيدة.

وهذه الميزة لا يعبر عنها مصطلح (نقّال)، ولا (جوّال)، ولا (سيّار)، ولا (متنقل).

فـ(النقال) بحسب صيغتها الصرفية (فعّال)، هو الجهاز الذي يكثر من فعل النقل. وليس هذا هو المراد من هذا الجهاز الجديد، الذي يسهل نقله، ولا ينقل هو شيئا. وكان الأنسب أن يقولوا (المنقول).

وكذلك مصطلحا (الجوّال)، و(السيّار) على صيغة (فعّال). ولست أظن أن الجهاز الجديد – وقتها – كان هو نفسه كثير التجوال، أو كثير السير، وكأنه في نزهة.

أما مصطلح (مُتنقِل)، فهو اسم فاعل من تنقّل، ولا ينطبق أيضا على هذا الهاتف الجديد، الذي ليس له رجلان ولا يستطيع التنقل إن دفعته الرغبة.

وأنسب تلك الأسماء جميعا، فيما عدا (الخليوي) الذي أضحى مصطلحا عتيقا، هو الهاتف (المحمول). وهو صيغة اسم مفعول من الفعل حمل، أي ما يُحمل. إذ إن فيه التفاتا إلى سمة الجهاز الأساسية التي تميزه من الهواتف الأرضية، وهي سهولة حملة.

وآمل أن ننتبه إلى أهمية علم الصرف العربي، وأن نسعى إلى تعلم أساسياته، قبل أن تمر ثمانية وأربعون عاما أخرى على أول مكالمة من هاتف محمول. 

للمشاركة على :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

البحث

محمد العشيري

عملت محاضرًا في اللغة والثقافة العربية في جامعة برمنجهام البريطانية. درَستُ علم الأصوات اللغوية وعلم اللغة وتخصصت فيهما، ثم درَّستهما فيما بعد. وتشمل مجالات اهتمامي علوم اللغة العربية، والخطاب الإسلامي، واللغة في وسائل الإعلام. عملت أيضًا في جامعة وستمنستر في لندن، وجامعة عين شمس المصرية في القاهرة. وعملت مذيعا ومقدم ومعد برامج في هيئة الإذاعة البريطانية. من بين مؤلفاتي: “أصوات التلاوة في مصر: دراسة صوتية، و“عربية القرآن: مقدمة قصيرة”، و”كتاب الزينة في الكلمات الإسلامية والعربية لأبي حاتم الرازي: دراسة لغوية”. ونشرت مجموعة قصصية تحت عنوان “حرم المرحوم” وكتبا أخرى.