يتحدثون عن المكان وارتباط كل منهم بمكان أثير إلى نفسه. ولكن هل للأمكنة وحدها تأثير في النفوس فتتوق إليها الأفئدة وتحن إلى زيارتها، والوقوف عندها، بل البكاء على أطلالها أحيانا؟
لا أحسب ذلك.
فنحن نرتبط بالمكان لارتباطه بمن نحب، فقد نكون هناك التقينا، وربما فيه جلسنا معا، وتحادثنا في أروقته. فحبنا لمن نود ونعشق نخلعه على المكان وعلى الزمان.
لقد كنت أحن إلى رحلتي إلى مصر دوما، وينفطر قلبي عند ذهابي إلى المطار عائدا منها. كان ذلك حالى حينما كان في مصر محبون أحن إلى رؤيتهم والحديث معهم وضمهم إلى صدري.
فلا مكان بلا إنسان
غير أن الحنين، بل بات مرآه وقد خلا منهم مبعث ألم ومرارة. وليس ذلك بلاغة وإنشاء، بل صدق لا يعرف به إلا المحبون الصادقون.
وكان من صروف الأيام أيضا تحول بعض من كنّا نحب عنا، وانصرافهم إلى بغضاء ملأت المكان فأصبح مظلما، فكيف نحن إلى مكان لا نجد فيه إلا الجفاء والشقوة والألم والعزلة؟
وهكذا فقدت رحلتي إلى مصر كثيرا من بواعث الشوق واللهفة، فقد رحل من نحب، وتحول قلب من تحول، فلم يعد للمكان صوت ينادينا كما كان في الماضي.
فلا مكان بلا إنسان.