جوجل و”العربيزي”

جوجل والعربيزي

 

أطلقت شركة جوجل مبادرة سمتها “أيام الإنترنت العربية” بالاشتراك مع بعض الشركات الأخرى، مثل “تغريدات”، و”ومضة”، و”يملي”، من أجل زيادة المحتوي العربي على الشبكة العالمية.

ويقدر عدد متحدثي اللغة العربية الآن بأكثر من 422 مليون نسمة، وهم يمثلون 5 في المئة من سكان العالم، والعربية من أكثر اللغات سرعة في الانتشار على الإنترنت، إذ تحتل المركز السابع بين أكثر اللغات استخداما على الشبكة، ومن المتوقع أن ترتقي إلى المركز الرابع.

وعلى الرغم من ذلك كله فإن المحتوى العربي على الإنترنت لا يتجاوز 3 في المئة من إجمالي المحتوى الرقمي عليها بأنواعه المكتوبة والمصورة والمسموعة كافة.

محاربة جوجل للعربيزي

ولكن لماذا تهتم شركة مثل جوجل بزيادة المحتوى العربي على الإنترنت؟

قد يرجع اهتمام جوجل باللغات بصفة عامة – ومن بينها العربية – إلى طبيعتها شركة تربح من العمل في مجال الإعلان المرتبط ببعض الخدمات التي تقدمها، ومن أهمها البحث على الإنترنت (محرك جوجل للبحث)، والبريد الإلكتروني (جيميل)، واليوتيوب، والخرائط، وغيرها.

فكلما زاد عدد مستخدمي تلك الخدمات في البلدان المختلفة في أرجاء العالم، وباللغات المختلفة، عاد ذلك على الشركة، بلا شك، بربح أكبر.

ومن هنا سعت الشركة إلى جلب المستخدمين من متحدثي العربية.

فأتاحت لهم منذ بدايات نشأتها في أواخر التسعينيات إمكانية بحث محتويات شبكة الإنترنت باللغة العربية، مستفيدين في الوقت نفسه من الميزات التي عُرف بها محرك جوجل من سرعة فائقة في عرض النتائج.

ولم تكتف جوجل بذلك، بل أتاحت للعرب وسائل أخرى تشجعهم على استخدام الإنترنت بلغتهم دون الحاجة إلى الإلمام بلغة أجنبية، كان منها خاصية البحث الصوتي بالعربية الفصيحة، أو بإحدى لهجاتها، وإطلاق خاصية الإكمال التلقائي للكلمات خلال الكتابة بالعربية، وتعريب واجهة يوتيوب، وتعريب خرائط جوجل، وموقع التواصل الاجتماعي، جوجل بلس (الذي ألغي بعد ذلك)، وتعريب متصفح “كروم”، وبريد جيميل.

العربيزي

وشاركت الشركة أيضا في محاربة ظاهرة آخذة في الانتشار في بعض دول الخليج، خاصة الإمارات، تعرف بـ”العربيزي”، وهي خلط العربية بالإنجليزية عند استخدام وسائل التقنية الحديثة، مثل الهواتف الذكية، أو الأجهزة اللوحية، أو الكمبيوتر، وفي الأحاديث اليومية التي تكاد تغيب عنها الهوية العربية شيئا فشيئا.

وهنا قدمت جوجل ميزة تعرف بـ”التعريب” التي يمكن عن طريقها استخدام لوحة مفاتيح اللغة الإنجليزية، كأن تكتب مثلا “kaifa haluka” فيحولها نظام جوجل إلى المقابل العربي “كيف حالك”.

ويهم جوجل، باعتبارها شركة تعتمد على الأرباح الواردة من الإعلانات، أن يزيد عدد من يكتبون بالعربية، ففي ذلك زيادة للمحتوى العربي الذي سيساعد بدوره على جلب المزيد من الإعلانات، في منطقة تعرف بكثرة رجال الأعمال والأثرياء الذين ينفقون ببذخ على ما يهوون وما يحبون. 

“الكتابة الرومانية”

وموضوع “العربيزي”، يعيدنا إلى قصة علاقة اللغة العربية وتقنية الإنترنت بصفة عامة، والعربية وجوجل على وجه الخصوص.

فعندما ظهرت الهواتف المحمولة، في أوائل التسعينيات لم يكن بها لوحة مفاتيح للحروف العربية. لكن أبناء العربية تفتقت قريحتهم عن فكرة ذكية للتغلب على هذا القصور، يمكن أن نسميها طريقة “الكتابة الرومانية”، وذلك باستخدام لوحة المفاتيح “الرومانية” بصفة عامة لكتابة محتوى عربي.

ومثال ذلك، العبارة التالية “ana 2asta6ee3 kitabat allu3’a al3arabiya 7aliyyan”، التي تعني “أنا أستطيع كتابة اللغة العربية حاليا”.

وهناك بطبيعة الحال “لهجات” أو اختلافات – وإن كانت طفيفة – في تمثيل العبارة العربية الواحدة بحسب الرموز التي يميل كل شخص إلى استخدامها.

ثم تطورت هذه الطريقة بعد ذلك، باستخدام مختصرات لبعض الكلمات المتكررة، لتقليل التكلفة الكبيرة التي كان على مستخدمي الهواتف المحمولة دفعها نظير الرسائل النصية، التي كانت هي ذاتها أقل من حيث التكلفة من المكالمات الهاتفية.

ولاتزال “الكتابة الرومانية” مستخدمة في عدد لا بأس به من غرف الدردشة العربية، بل لا يزال عدد من شباب العرب وكبار السن أحيانا – خاصة المقيمين في الدول الغربية – حتى وقت قريب يفضل استخدامها ربما لسرعتها، أو لعدم توافر لوحة مفاتيح عربية في هواتفهم.

ملامح إنجليزية

ولم يقتصر تأثير الإنترنت وتقنيتها الحديثة في اللغة العربية على طريقة “الكتابة الرومانية” فقط، بل أخذت بعض ملامح الإنجليزية تسري في اللغة العربية المستخدمة في مجال الإنترنت، فانتشرت أسماء مثل “إنترنت”، و”أونلاين”، و”كمبيوتر”، و”كيبورد”، و”ماوس”، و”آيفون”، و”آيباد”، و”آيبود”، و”يوتيوب”، و”فيسبوك”، و”تويتر”.

وترددت أفعال من قبيل “ستَّاب – set up” و “هنَّج – hang up” و “سيَّف – save”.

لكن العلاقة بين اللغة العربية وتقنية الإنترنت الحديثة لم تتوقف عند هذا الحد، بل تعدت ذلك خاصة بعد ظهور محرك جوجل للبحث، الذي تعود نشأته إلى عام 1998.

ولم يعد جوجل محركا للبحث فقط، بل تجاوز ذلك إلى المنافسة في مجالات أخرى، منها البريد الإلكتروني، والمدونات، والترجمة التي تعتمد، كما تقول الشركة، على الذكاء الصناعي، والهواتف المحمولة وتصميم نظام خاص بها يعمل على الأجهزة اللوحية والهواتف المحمولة، هو نظام أندرويد الذي ينافس نظامي شركة أبل ومايكروسوفت.

هيمنة جوجل

ولكن تظل المهمة الرئيسية للشركة في نظر مستخدميها -الذين قد يفوق عددهم المليار شخص- هي البحث عن المعلومات في مواقع الإنترنت. وأدى هذا إلى صياغة فعل جديد في اللغة الإنجليزية للدلالة على الحث على البحث عن معلومة عبر الإنترنت، وهي “google it”.

ونحا بعض الآباء عند اختيار البحث عن أسماء لأطفالهم المولودين حديثا إلى استشارة جوجل لسرعة النتيجة وشمولها.

وكانت أغرب قصة قرأتها هي ما فعله أب لبناني – كان يبحث عن اسم جديد وفريد لابنه الذي ولد حديثا عبر موقع جوجل – بعد عناء البحث باختياره “جوجل” اسما لابنه.

وأغرت سرعة جوجل الفائقة في عرض نتائج البحث بعض المواقع الإخبارية والصحفية بالالتزام برسم الاسم الذي يُظهر محرك جوجل شيوعه، حتى وإن خالف ذلك الاسم ما هو متعارف عليه رسميا.

فالدولة السورية، التي مازال اسمها يتردد في الأخبار كل يوم تقريبا، تعارف أهلها رسميا على كتابة اسمها “سورية”، لكن بعض المواقع تميل إلى كتابتها “سوريا” لأن هذا هو الرسم الأكثر شيوعا على جوجل.

وبالرغم من أن العاصمة الصينية التي كانت تعرف في الماضي بـ”بكين”، وأصبحت الآن رسميا “بيجين”، فإن بعض المواقع الصحفية مازال يفضل استخدام “بكين”، لأنه الأكثر ورودا في محرك جوجل.

للمشاركة على :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

البحث

محمد العشيري

عملت محاضرًا في اللغة والثقافة العربية في جامعة برمنجهام البريطانية. درَستُ علم الأصوات اللغوية وعلم اللغة وتخصصت فيهما، ثم درَّستهما فيما بعد. وتشمل مجالات اهتمامي علوم اللغة العربية، والخطاب الإسلامي، واللغة في وسائل الإعلام. عملت أيضًا في جامعة وستمنستر في لندن، وجامعة عين شمس المصرية في القاهرة. وعملت مذيعا ومقدم ومعد برامج في هيئة الإذاعة البريطانية. من بين مؤلفاتي: “أصوات التلاوة في مصر: دراسة صوتية، و“عربية القرآن: مقدمة قصيرة”، و”كتاب الزينة في الكلمات الإسلامية والعربية لأبي حاتم الرازي: دراسة لغوية”. ونشرت مجموعة قصصية تحت عنوان “حرم المرحوم” وكتبا أخرى.