حارتنا والست أم خيشة

حارتنا وأم خيشة

في حارتنا في مدينة الفيوم، جنوب القاهرة، تتلاصق البيوت، ويتلاحم ساكنوها، ويتشاركون في الأعياد والأحزان: الست أم راشد، والست أم جرجس، وأبو علي، وأبو حنا.

كانت أمي رحمها الله تعد كعك عيد الفطر، هي وأخواتي، وكانت ترسلني بأطباقه إلى جيراننا من غير المسلمين. وكنا في مثل هذا اليوم، وفي غيره، نستقبل أطباق ”القُرَص“ المعجونة بالزيت من جيراننا، وكم كنت أتلذذ بطعمها، وأتحين الفرص لأكل أكبر قدر منها.

وكان في حارتنا سيدة قبطية طيبة تدعى ”أم خيشة“. وكنت أتعجب من هذا الاسم، وكنا نلعب أنا وخيشة وصبية الحارة، وأحيانا نتندر على خيشة بسبب اسمه. وخيشة لمن لا يعرف معنى الكلمة هي قطعة من الخيش يمسح بها البلاط في البيوت، تقتطع من كيس، أو جوال، أو شوال الحبوب.

ولما سألت أمي عن حكايتها عرفت منها أن الست أم خيشة كانت كلما رزقت بمولود يموت ولا يعمر طويلا. وأنها فقدت عددا من المواليد. وفكرت أم خيشة ذات مرة خلال شهر رمضان، وهي تعيش محاطة بعدد من الجيران المسلمين، الذين يفرحون بالشهر ويصومونه بسعادة وابتهاج، أن تصوم مثل المسلمين ومعهم نذرا مقدما لله تعالى وطمعا في أن يرزقها بولد وتكتب له الحياة.

وهكذا فعلت الست أم خيشة، ورزقها الله بولد، وسمته خيشة، حتى لا يحسد، وتكتب له الحياة. وكبر خيشة ولم يكن مصيره مثل مصير أشقائه السابقين.

تهنئة خالصة لحارتنا وأبناء حارتنا ولخيشة وأبنائه ولبلادي بعيد الميلاد.

للمشاركة على :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

البحث

محمد العشيري

عملت محاضرًا في اللغة والثقافة العربية في جامعة برمنجهام البريطانية. درَستُ علم الأصوات اللغوية وعلم اللغة وتخصصت فيهما، ثم درَّستهما فيما بعد. وتشمل مجالات اهتمامي علوم اللغة العربية، والخطاب الإسلامي، واللغة في وسائل الإعلام. عملت أيضًا في جامعة وستمنستر في لندن، وجامعة عين شمس المصرية في القاهرة. وعملت مذيعا ومقدم ومعد برامج في هيئة الإذاعة البريطانية. من بين مؤلفاتي: “أصوات التلاوة في مصر: دراسة صوتية، و“عربية القرآن: مقدمة قصيرة”، و”كتاب الزينة في الكلمات الإسلامية والعربية لأبي حاتم الرازي: دراسة لغوية”. ونشرت مجموعة قصصية تحت عنوان “حرم المرحوم” وكتبا أخرى.