توجهت يوم الجمعة لأداء الصلاة في مسجد بدولة عربية، وعقب انتهائي من ركعتي تحية المسجد فوجئت به في الصفوف الأمامية: ليو ميسي، اللاعب الأرجنتيني نجم نادي برشلونة. كان صبي من أبناء البلد، جالس في الصف الثاني أو الثالث، يرتدي قميصه المزدان باسمه (Messi) ورقمه (١٨). والتفتُّ يسرة فوجدت صبيا آخر يرتدي قميص واين روني (Rooney)، لاعب مانشستر يونيتيد الإنجليزي.
لم أستغرق طويلا في التفكير فيما رأيت، فقد بدأت خطبة الجمعة. وكان موضوعها”حقوق الأولاد على والديهم“. لكني عدت بعد الخطبة إلى التأمل فيما رأيت وما سمعت.
كان مدار حديث الإمام هو أن من حق الولد على والديه حسن اختيار والدة له، واختيار اسم حسن له، وتعليمه القراءة والكتابة. وتساءلت في نفسي، وإن لم أفكر بصوت عال لأسمع الإمام: هل هذا هو كل شيء يا مولانا؟ وكيف تفسر أنت وجود ”ميسي“، و ”روني“ في مسجدك؟
إن أولادنا – يا مولانا – في سنوات حياتهم الأولى يتعطشون إلى قدوة، فإن لم يجدوها في البيت فتشوا عنها في المدرسة إن كانوا قد بلغوا سن الدرس، وإن فشلوا في العثور عليها بحثوا عنها بين أبطال عالم الرياضة، أو نجوم الفن. وهذا يا مولانا ما يدفع صبياننا وفتياننا إلى اتباع أشخاص مثل ”ميسي“ أو ”روني“، وارتداء لباسهم والتزين بأسمائهم وأرقامهم.
لقد فشلت أسرنا في توجيه أبنائها إلى قدوة من رجالات ونساء تاريخنا في العلم والفكر والريادة، ليلبسوا قمصانهم، وليزينوا صدورهم بأسمائهم.
ولكن لماذا فشلت الأسر؟
لأنها فقدت هويتها الحقيقية، وأصبحت مذبذبة بين هوية إقليمية: مصرية أو عراقية أو سورية أو جزائرية أو سودانية أو بحرينية أو كويتية أو سعودية، وهوية أجنبية، أمريكية أو غربية، أصبحت تهيمن عليها صباح مساء عبر برامج التليفزيون، أو أفلام السينما كل دقيقة.
ولو كانت أسرنا واعية بهويتها، لما تركت المجال مفتوحا لشخصيات من هنا وهناك من عالم الرياضة أو عالم الفن، لتدخل بيوتها، وتعشعش في عقول أبنائنا وصدورهم، بل لقد انفسح أمامها المجال فتعدى تغولها البيت إلى المسجد.
وهكذا دخل ”ميسي“ و ”روني“ المسجد، فهل نقول لهما ولغيرهما ”أهلا وسهلا“؟ ونقول ”باي باي“ لهويتنا العربية؟