حكاية هذا الموقع

حكاية هذا الموقع

حب الكتابة لدي يرجع إلى أيام الصبا.

فبعد وفاة والدي – رحمه الله تعالى – انزويت أنا وأخي الأكبر مع أخواتنا في بيت كان يخيم عليه الحزن بعد رحيل الأب. ولكنه كان بيتا فيه بعض الكتب.

كان أخي في الحادية عشرة، وكنت أنا في التاسعة. وأخذت أيدينا تتسلل إلى بعض تلك الكتب، التي أذكر منها كتاب “كليلة ودمنة”.

وبعد فترة فكرنا، أخي وأنا، في إصدار مجلة اخترنا لها اسما غريبا لكنه كان دالا على ثقافتنا آنذاك، وأظن أنه كان “بغية الطالبين”. وكان العدد الأول، الذي كتبناه بخط اليد، يضم مقالتين: إحداهما تحليلا سياسيا كتبه أخي، فهو منذ صغره محب لهذا النوع من الكتابة. أما المقالة الأخرى فكانت وصفا لحريق شاهدناه ذات مرة ونحن نجلس على سطح بيتنا، وقد اندلعت نيرانه في بيت بعيد لكنا كنا نرى ألسنة اللهب، وتأثرت بهذا المنظر تأثرا شديدا.

وما زلت أذكر أيضا موضوعا آخر كتبته في “البغية” تحت عنوان “فلسفة السيجارة”، تفلسفت فيه بأن المدخن، بعد أن قرأت ذلك في كتاب أو مقالة، لما يزال يعيش، بحسب فرويد، في مرحلة الرضاعة. وأحسب أنني تناسيت هذا أو تجاهلته عندما أقدمت أنا نفسي على التدخين، فيما بعد.

ومرت الأيام والسنون، لكن حب الكتابة لدي لم يذبل. وكان يغذي هذا الحب عشق القراءة، التي رسختها عندي طبيعة انطوائية بذرت بذورها تربيتنا.

وما زلت أذكر أنني في السنة الأولى من المرحلة الثانوية قرأت عددا كبيرا من الكتب، ولخصت حوالي أربعة عشر كتابا منها في كراسة كنا نأخذها من مكتبة المدرسة، وكانت تعرف بـ”ثمرة القراءة”. وحصلت في ذلك العام على جائزة أحسن قارئ في المدرسة. وكانت الجائزة جنيها ورقيا جديدا، ومصحفا جديدا أيضا. واحتفظت بالجنيه لنفسي، لكني أهديت المصحف لأمي رحمها الله تعالى.

وفي المرحلة الجامعية انشغلت بالدراسة، لكنني كنت أشبع رغبتي في الكتابة فيما يطلب منا من بحوث في اللغة أو الأدب أو غيرهما.

وحينما أنهيت دراسة المرحلة الجامعية الأولى، في جامعة الإسكندرية، بدأت مباشرة هناك دراساتي العليا، ثم أكملت الماچستير في جامعة عين شمس بعد أن عينت معيدا لعلم اللغة في كلية البنات بالجامعة.

وفي كلية البنات التقيت بأساتذة كبار كنت أسمع أسماءهم قبل انضمامي إلى قسم اللغة العربية بها، وكنت أستمع إلى بعضهم في محطة البرنامج الثاني الإذاعية، التي عشقتها. وشجعني هؤلاء على مواصلة درب الكتابة، خاصة الأدبية منها.

لكن الكتابة الأدبية، والإبداعية بخاصة، تولدها دوما تجارب نعانيها أو عانيناها. وهكذا ولدت أول قصة قصيرة كتبتها.

وقد تكون الحاجة المادية أيضا دافعا. فقد كتبت بعض المقالات ونشرتها في مجلات في الخليج لكي أحصل على مال كنت بحاجة إليه.

والمتعة التي تولدها الكتابة لا تعادلها متعة أخرى. ففيها تنفيس، وفيها إبداع وفيها إشباع. وهذا ما كنت أحس به حينما كنت أكتب ما كتبت من مقالات عن الكمپيوتر لإحدى مجلات الطيران. فقد كنت أنا من يختار الموضوع الشهري، وكنت أدبجه بطريقة أدبية تخفف من عناء المعلومات والمصطلحات. وكم كان هذا يسعدني.

وبعد فترة فكرت في أن أجمع ما كتبت في مكان واحد. ومن هنا ولدت فكرة “مدونة” الكشكول، بعد أن أتاحت شركة جوجل مساحة للمدونين مجانا. وكانت تلك أول بذرة للموقع.

ثم انتقلت من مدونة الكشكول إلى موقع على الإنترنت، شجعني عليه توفر برنامج سهل الاستعمال متاح لأجهزة ماكنتوش.

ثم بدأت بعد ذلك رحلتي مع موقع “أسر الكلام”، الذي أطلقته في عام ٢٠١٦، وها هو اليوم يولد من جديد، بعد معاناة تعلمت خلالها دروسا كثيرة.

للمشاركة على :

5 Comments

  1. مبارك يا أستاذنا الكريم افتتاح الموقع في يوم مولدك
    وفي يوم موقعة حطين
    بداية موفقة يا د. محمد رياض

  2. ماشاء الله على أستاذنا الجليل د محمد و بعد الله هو يستحق الثناء على عمله و كتاباته القيمة الله ينفعنا بعلمه و يوفقه دائما آمين

  3. ألف مبروك لقراء العربية بميلاد موقع” أَسْرُ الكلام” .
    هذا الموقع الذي تشرئب إليه الأعناق شوقاً إلى التواصل مع العالم الجليل الأستاذ الدكتور محمد العشيري أستاذ العلوم اللغوية وصاحب الجهود اللغوية والآراء الدينية النيرة، والتحليلات الفكرية للقضايا الاجتماعية المختلفة، والأدب القصصي.
    ندعو الله عز وجل لكم بالتوفيق والسداد وأن ينفع الله بكم محبي العربية وثقافتها وعلومها.

  4. سعدت بإنشاء موقعكم الجديد ” أسْرُ الكلام “،
    وسررت بتنوع أبوابه، واختلاف موضوعاته،
    مما يبين عن ثقافة واسعة، في علوم اللغة والأدب،
    والفكرالإنساني وتكنولوجيا العصر،
    قلم سيال، ولغة تمتاز بالجزالة والإحكام في الصياغة.
    وصوت عذب جميل.
    ندعو الله أن يوفقكم لما فيه نفع رواد الموقع أو المدونة من خير في الدارين،
    وإعلاء مكانة العربية وصون فصيحها، ونشرتراثها، والإقبال عليها،
    في زمان الفضاء الازرق الذي طمت فيه الركاكة والضحالة،
    وجنح الكبار والصغار نحو الدارجة.
    أرجو أن يكون موقعك صوتا للحق يهتدي به الحائرون، ينشر حقائق الإسلام،
    ويرد كيد الكائدين وأباطيلهم.
    ويكون روضة من رياض الفكر والأدب.
    محمود رياض

  5. الف مبروك دكتور محمد استاذنا الكبير دائما فخورين بك. ماشاالله متشوقه لقرأه انشالله المزيد الف مبروك. مي عاكف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

البحث

محمد العشيري

عملت محاضرًا في اللغة والثقافة العربية في جامعة برمنجهام البريطانية. درَستُ علم الأصوات اللغوية وعلم اللغة وتخصصت فيهما، ثم درَّستهما فيما بعد. وتشمل مجالات اهتمامي علوم اللغة العربية، والخطاب الإسلامي، واللغة في وسائل الإعلام. عملت أيضًا في جامعة وستمنستر في لندن، وجامعة عين شمس المصرية في القاهرة. وعملت مذيعا ومقدم ومعد برامج في هيئة الإذاعة البريطانية. من بين مؤلفاتي: “أصوات التلاوة في مصر: دراسة صوتية، و“عربية القرآن: مقدمة قصيرة”، و”كتاب الزينة في الكلمات الإسلامية والعربية لأبي حاتم الرازي: دراسة لغوية”. ونشرت مجموعة قصصية تحت عنوان “حرم المرحوم” وكتبا أخرى.