“سيلفي” كلمة عام ٢٠١٣

سيلفي كلمة العام

يثير إعلان دار أكسفورد لمعاجم اللغة الإنجليزية عن كلمة العام، وهي كلمة حديثة النحت في اللغة اكتسبت شيوعا فائقا خلال الاثني عشر شهرا الماضية، أكثر من تساؤل بشأن جديد المفردات في العربية، وموقف اللغويين العرب ومجامع اللغة العربية منها.

وكشفت أكسفورد عن أن الكلمة التي حظيت بهذا المركز لعام 2013 هي كلمة selfie، وهي وليدة مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة تويتر، وتعني تصوير الشخص لنفسه مستخدما، في الأغلب، هاتفه المحمول، ليضع الصورة من بعد على صفحته في أي من تلك المواقع.

وبلغت نسبة استخدام كلمة Selfie في مواقع التواصل الاجتماعي الإنجليزية ١٧ في المئة دون غيرها من الكلمات المحدثة.

ويحدد محررو أكسفورد كلمة العام، بعد بحث يستمر اثني عشر شهرا، يستخدمون فيه برنامج بحث لغويا، تشمل المادة التي يعالجها ١٥٠ مليون كلمة مما يستخدمه الناطقون بالإنجليزية عبر العالم. ثم يتوجون الكلمة المحدثة النحت التي نالت أكبر نسبة استخدام خلال تلك الفترة بهذا اللقب.

نهج متحفظ

وهنا يبرز أول التساؤلات، ألا وهو: هل يولي علماء اللغة العرب، ومجامع اللغة في القاهرة، وبغداد، ودمشق، وعَمان، اهتماما بما يجد على العربية من مفردات وتعابير، مما يتولد عن مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، بصفة خاصة؟

يقول الدكتور محمد عبد الحليم، العضو المراسل في مجمع اللغة العربية بالقاهرة، ومدير مركز الدراسات الإسلامية في معهد الدراسات الشرقية والإفريقية، بجامعة لندن إن “المجامع العربية تهتم أكثر بمتابعة مصطلحات العلوم والمصطلحات التقنية وترجمتها، وبالتأصيل اللغوي للكلمات الشائعة في وسائل الإعلام”.

وقد يكون لإحجام اللغويين العرب عن متابعة المفردات المحدثة التي تتولد عن مواقع التواصل الاجتماعي، أو وسائل الإعلام، سبب ثقافي آخر يتعلق بنظرتنا إلى العربية.

إذ إن ارتباط العربية بالقرآن الكريم، يضفي عليها – في أذهان معظمنا – شيئا من التقديس، ولذلك لا نهتم بالكلمات الجديدة التي يحدثها الشباب، بل لا نلقي بالا إليها أصلا، فربما يكون في جديد المفردات فساد للغة.

لكن الدكتور عبدالحليم لا يرى أي خطر على العربية من الألفاظ الأجنبية المحدثة، مثل بينسلين، لكن الخطر يكمن – في رأيه – في “محدث التراكيب اللغوية”.

ويضيف إلى ذلك نهج المجامع العربية في هذا الشأن، الذي يصفه بأنه “نهج متحفظ، لأن العربية هي لغة القرآن والتراث الإسلامي، والتراث الأدبي، خاصة الشعر”.

ويقول إن لدى أكسفورد “جيشا من الشباب يمكنهم أداء دور كبير في متابعة جديد المفردات التي تطرأ على اللغة الإنجليزية. أما مجمع القاهرة، مثلا، فلا يهتم بهذا من بين أعضائه إلا ثلة من الباحثين، يتطرقون للتغييرات الجديدة التي تعرض للعربية، ويجدون في مجلته منبرا لنشر بحوثهم عنها”.

ويأمل الدكتور عبد الحليم في أن يولي اتحاد مجامع اللغة العربية هذا الموضوع العناية المرجوة خلال اجتماعاته في المستقبل القريب.

شائع الكلمات وقضايا المجتمع

كلمة العام التي يهتم بها محررو أكسفورد، تعكس – إلى حد ما – الظروف والأوضاع والقضايا التي مر بها العالم خلال عام. فانتشار ظاهرة تصوير مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي لأنفسهم، مستغلين في ذلك إمكانات الهواتف الذكية المتطورة، انعكس في إحراز الكلمة الدالة على تلك الظاهرة Selfie للسبق هذا العام.

وفي عام ٢٠٠٨، وهو العام الذي دهمت فيه الأزمة المالية المصارف والشركات والمصانع في أرجاء العالم، نال تعبير credit crunch صدارة الكلمات المحدثة الأكثر استخداما.

وعلى الرغم من أن العرب لا يولون مواقع التواصل الاجتماعي ما تستحقه من اهتمام، من الناحية اللغوية على الأقل، فلا يزال بإمكاننا التعرف على ما يهتم به العرب، وما يهيمن على أفكارهم عند تواصلهم عبر تلك المواقع.

وتحليل الموضوعات والكلمات التي اهتم بها مستخدمو موقع تويتر العرب خلال الاثني عشر شهرا الماضية يظهر هيمنة قضايا بعينها في كل بلد.

وتمثيلا على ذلك نأخذ الدول الأربع الكبرى في العالم العربي، من حيث استخدام الإنترنت، وهي مصر والسعودية، والإمارات، والكويت.

فما الذي كان يهتم به مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي خلال العام الماضي في تلك الدول؟

في مصر وجدنا أن أكثر الكلمات ترددا على تويتر في تلك الفترة كانت: مصر، مرسي. وهذا يعكس القضايا التي سادت الساحة آنذاك.

أما في دول الخليج الثلاث، السعودية، والإمارات، والكويت، فيتركز الاهتمام على موقع تويتر ذاته واستخدامه، بين تغريد وإعادة تغريد، بالإضافة إلى جانب الهم الديني، الذي يتمثل في “الدعاء”.

ففي السعودية برزت كلمات: غرّد، السعودية، رتويت، دعاء، كنز. وفي الإمارات: غرد، دعاء، الإمارات. وفي الكويت: غرد، الكويت، دعاء، رتويت.

وفي نهاية ذلك التطواف نأمل في أن يهتم علماء العربية، وأعضاء مجامع اللغة في العالم العربي بما يدور في وسائل الإعلام، ومواقع التواصل الاجتماعي، وما يطرأ على اللغة واستخدامها فيها من جديد الألفاظ والتعبيرات، فهم أحرى بذلك من غيرهم في مراكز دراسات أجنبية في أوروبا وأمريكا ممن شرعوا في دراسة تلك الظواهر الجديدة.

للمشاركة على :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

البحث

محمد العشيري

عملت محاضرًا في اللغة والثقافة العربية في جامعة برمنجهام البريطانية. درَستُ علم الأصوات اللغوية وعلم اللغة وتخصصت فيهما، ثم درَّستهما فيما بعد. وتشمل مجالات اهتمامي علوم اللغة العربية، والخطاب الإسلامي، واللغة في وسائل الإعلام. عملت أيضًا في جامعة وستمنستر في لندن، وجامعة عين شمس المصرية في القاهرة. وعملت مذيعا ومقدم ومعد برامج في هيئة الإذاعة البريطانية. من بين مؤلفاتي: “أصوات التلاوة في مصر: دراسة صوتية، و“عربية القرآن: مقدمة قصيرة”، و”كتاب الزينة في الكلمات الإسلامية والعربية لأبي حاتم الرازي: دراسة لغوية”. ونشرت مجموعة قصصية تحت عنوان “حرم المرحوم” وكتبا أخرى.