الذكاء الصناعي وحكاية الكلب إيبو

الذكاء الصناعي والكلب أيبو

آلة غبية

من العبارات التي مازالت عالقة في ذهني عن الكمبيوتر عبارة قرأتها في أول كتاب أطالعه عن هذه الآلة العجيبة قبل أكثر من خمسة عشر عاما وصف فيها دينيس جاريت الكمبيوتر وصفا أدهشني ولكنه هدم في الوقت ذاته الأسطورة التي كنت أتخيلها عن الكمبيوتر، وربما ما زال بعضنا يؤمن بها. العبارة تقول “الكمبيوتر في حقيقته ليس سوى آلة غبية تنفذ التعليمات المكتوبة لها بسرعة وتتمتع بالقدرة علي تذكر الأشياء”.

وهي آلة سريعة لأنها إلكترونية والألكترونات تتحرك بسرعة فائقة، وهي آلة غبية لأنها لا تفكر وإنما تتبع وتنفذ التعليمات المكتوبة لها علي هيئة برامج دون زيادة أو نقصان.

وينطبق هذا – كما يقول جاريت – علي أجهزة الكمبيوتر جميعها بغض النظر عن حجمها أو قدرتها، سواء أجهزة الكمبيوتر الشخصية التي تعمل بأحدث وحدات المعالجة التي تصنعها شركة بنتيوم، أو الشركات الأخرى، أم الأجهزة الضخمة التي تستخدم في وكالة الفضاء الأمركية ناسا.

ولا يزال الطريق طويلا أمام تطوير كمبيوتر يمكنه التفكير مثلما نفكر وذلك لسببين أساسيين : أولهما أن أجهزة الكمبيوتر لا تؤدي سوي ما كتب لها من تعليمات في صورة ما يعرف بالبرامج أو التطبيقات. وبعض هذه البرامج – مثل برنامج تشغيل أجهزة الكمبيوتر المعروف ويندوز – يتضمن ملايين التعليمات التي ينفذها الكمبيوتر بالحرف، وبعضها الآخر لا يتعدى بضعة أسطر بهدف إيجاد حاصل جمع ٢ + ٢.

أما السبب الثاني الذي يمنع أجهزة الكمبيوتر الحالية من أن تفكر مثلنا فهو أن هذه الأجهزة تعتمد في عملها على مبدأ أساسي قد يخالفه في كثير من الأحوال السلوك البشري، وهو المنطق. فالأنسان رغم معرفته بأن تدخين التبغ قد يصيبة بالسرطان فهو يخالف هذه المعرفة ويدخن.

وحتى يتمكن الكمبيوتر من محاكاة الإنسان في التفكير فلابد له من أن يستطيع تعديل مسار عمله إذا أقتضي الأمر، والاستفادة من تجاربه السابقة.

وهذا ما يسعى إلي الوصول إليه علماء الذكاء الصناعي من وراء أبحاثهم، وبرامج الذكاء الصناعي لا تعتمد علي تنفيذ عدد من التعليمات كما هو الحال في البرامج والتطبيقات المعتادة، ولكنها مبنية علي النظر في مجموعة من الحقائق لترى ما بينها من علاقات بعضها بعضاً، وما بينها وبين ما هو مخزون في ذاكرة الكمبيوتر من علاقات لتتخذ بعد ذلك القرار.

محاكاة الخبراء

ومثال ذلك إذا افترضنا أن أحد الأشخاص كان يشكو من ألم في صدره فربما يستطيع عن طريق البحث في شبكة الإنترنت التعرف علي الحالات التي يكون ألم الصدر عرضا من أعراضها، بدءا من الضغط النفسي وانتهاء بالسكتة القلبيـة. ولكن لا فائدة من وراء هذه المعلومات لأنه لن يستطيع تحديد سبب ألمه.

أما إذا ذهب إلى طبيب فإنه سيسأله بعض الأسئلة التي قد تكشف سبب الألم وتحدد مكانه من الصدر ودرجته، وإن كان يظهر في مكان آخر. وعن طريق الإجابات على هذه الأسئلة يستطيع الطبيب أن يجد شرحا للحالة ويستبعد أي احتمالات أخرى، وخلال المقابلة يكوّن الطبيب افتراضا معينا إزاء سبب المرض يختبره بمزيد من الأسئلة ثم يستطيع بعد ذلك وبمساعدة فحص المريض تشخيص الحالة.

ولكن ماذا يفعل المريض إن لم يكن الطبيب متاحا؟ بإمكانه استخدام البرامج التي تحاكي سلوك الخبير الطبي، وهي البرامج التي تعرف باسم EXPERT SYSTEMS وهي برامج تعتمد علي الذكاء الصناعي فتختزن بها المعلومات الطبية، ويدير البرنامج حوارا عن طريق السؤال والجواب مع المريض، ويبدأ البرنامج بأسئلة عامة ثم يضيق نطاقها ليحدد دائرة الاحتمالات. ثم يربط البرنامج المعلومات ببعضها ليبلغ نتيجة معينة ليحدد معها في الوقت ذاته نسبة تأكده من التشخيص الذي قرره وأسباب اتخاذه هذا القرار دون غيره.

وهذا النوع من البرامج يستخدم حاليا في مساعدة الأطباء على التشخيص، وتستخدم برامج مشابهة في مجالات أخرى مثل الصناعات الثقيلة ومراقبة الأسواق.

ولكن عيب هذه البرامج هو أنها تعتمد علي المعلومات التي يغذيها بها الإنسان، ولذلك فهي لاتستطيع حل المشاكل التي لم يجد لها البشر حلا. ورغم الفوائد التي تقدمها هذه البرامج فإنها لاتجعل من الكمبيوتر آلة مفكرة بالفعل.

المخ البشري

يرى كثير من العلماء أن التفكير والوعي لدي البشر هما نتيجة مباشرة لعمليات معقدة في المخ، وإذا بلغ الكمبيوتر في تعقيده مبلغ المخ البشري فربما يصل إلى نتائج مشابهة، ولكن المشكلة هي أننا حتي الآن لا نعرف كيف يعمل المخ البشري، فكيف يمكننا محاكاته؟

غير أن من الحقائق المعروفة عن المخ أنه مكوّن من شبكة من آلاف الملايين من الخلايا العصبية التي تعرف باسم النيورونات، وتتواصل هذه النيورونات ببعضها بعضا عن طريق نبضات كهربائية عبر موصلات فيما بينها. ومع نمو المخ تؤدي المثيرات الخارجية إلى تغيرات في هذة الموصلات فيقوى بعضها. أما تلك التي لاتستخدم فتضعف وتظهر موصلات جديدة كذلك. ويقول العلماء إن الوعي البشري ينمو مع نمو هذه الشبكة العصبية الهائلة.

الشبكات العصبية

وحاول علماء الذكاء الصناعي محاكاة هذه الطريقة فيما يعرف باسم الشبكات العصبية – NUERAL NET ونجحت بعض التجارب، وهناك الآن أجهزة كمبيوتر تستطيع التعلم من تجاربها السابقة.

والكلب “أيبو” نموذج فريد لاستخدام برامج الشبكات العصبية. والكلب “أيبو” – واسمه باليابانية يعني الرفيق أو الصاحب – من مواليد شهر مايو عام ١٩٩٩، وهو ياباني الجنسية، فأبوه وأمه من عائلة “سوني”، وقد بيع هو وأخوته جميعا بعد طرحه بعشرين دقيقة فقط. وهو أول كلب إلكتروني، ولكنه لا يقل عن أنداده من فصيلة الكلاب غير الإلكترونية مهارات، إذا أردته لك صاحبا وفياً.

وعلي الرغم من تعقّد برامج الشبكات العصبية فلا تزال نموذجا بسيطا جدا بالنسبة للمخ البشري. وهي بحاجة إلى وقت طويل لتدريبها، وربما لن تتمكن أجهزة الكمبيوتر من إظهار ذكائها – حتى ولو كان صناعيا – إلا بعد نحو ثلاثين عاما. ولا يعني هذا أن علينا أن ننتظر طويلا للإفادة من بحوث العلماء في هذا المجال. إذ إن أجهزة الكمبيوتر التي يستخدم بعضها هذه التكنولوجيا أصبحت منتشرة هنا وهناك في الطرقات لملاحقة السيارات المخالفة، وعلي الإنترنت في برامج البحث عن المواقع ومحتواها التي تساعدنا في العثور علي ما نطلبه من معلومات عبر ملايين الصفحات، وفي الطائرات التي تستخدم الطيار الآلي، وفي الأسلحة التي تلاحق أهدافها بإصرار.

وتوجد الآن أجهزة كمبيوتر تستطيع محاكاة لوحات كبار الرسامين، وأخرى تؤلف موسيقي قد تضارع مؤلفات عظماء الموسيقيين العالميين.

وفي أمريكا تمكن باحث من تطوير برنامج يكتب الشعر، وآخر يكتب قصصا خيالية للأطفال.

فهل سيأتي وقت يكتب فيه هذه المقالة وأمثالها كاتب إلكتروني؟

أرجو – إذا حل هذا الوقت – ألا يكون هذا الكاتب هو الكلب أيبو.

للمشاركة على :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

البحث

محمد العشيري

عملت محاضرًا في اللغة والثقافة العربية في جامعة برمنجهام البريطانية. درَستُ علم الأصوات اللغوية وعلم اللغة وتخصصت فيهما، ثم درَّستهما فيما بعد. وتشمل مجالات اهتمامي علوم اللغة العربية، والخطاب الإسلامي، واللغة في وسائل الإعلام. عملت أيضًا في جامعة وستمنستر في لندن، وجامعة عين شمس المصرية في القاهرة. وعملت مذيعا ومقدم ومعد برامج في هيئة الإذاعة البريطانية. من بين مؤلفاتي: “أصوات التلاوة في مصر: دراسة صوتية، و“عربية القرآن: مقدمة قصيرة”، و”كتاب الزينة في الكلمات الإسلامية والعربية لأبي حاتم الرازي: دراسة لغوية”. ونشرت مجموعة قصصية تحت عنوان “حرم المرحوم” وكتبا أخرى.