وفي هذه الحقبة التي نعيشها من القرن الحادي والعشرين وتهيمن عليها تكنولوجيا المعلومات والإنترنت والتليفون المحمول، لجأت الجماهير المعارضة للرئيس الفلبيني السابق جوزيف إسترادا في نشر الثورة عليه بين الفلبينيين إلى وسيلة جديدة هي التليفون المحمول فانهالت الرسائل المكتوبة بين الفلبينيين عبر الهواتف المحمولة. وكانت فضائح الفساد والرشاوى والخليلات والأطفال غير الشرعيين والثروة التي اتهم بها إسترادا مادة للنكات والنميمة تبادلها الفلبينييون فيما بينهم عبر رسائل التليفون المحمول.
وقيل إن القوات الفلبينية والمقاتلين الذين يطالبون بالاستقلال في الجنوب خاضوا خلال العام الماضي حربا من نوع جديد عرفت بحرب الرسائل الهاتفية، كان بطلها المغوار الهاتف المحمول الذي استخدمه كل جانب في سب وإهانة الجانب الآخر.
ومع بداية شهر نيسان/أبريل من العام الماضي أثارت رسالة انتشرت عبر الهواتف المحمولة في الفلبين غضب الروم الكاثوليك، وكانت الرسالة تقول: “مات البابا، ابعث بالرسالة إلى الآخرين”، وتبين فيما بعد أن الرسالة كانت كذبة إبريل.
وقد اضطرت شركات الهواتف المحمولة في الفلبين إلى نشر نداء على صفحة كاملة من صفحات الجرائد تدعو فيه أصحاب الهواتف المحمولة إلى تحمل المسؤولية في استخدام هواتفهم.
ولكن ما هي حكاية هذا النوع من الرسائل، ولماذا يستخدمها أصحاب الهواتف المحمولة بهذا الهوس؟
حكاية رسائل الهواتف المحمولة
لن يمر وقت طويل قبل أن يجد ركاب الطائرات مثل تلك الرسالة على هواتفهم المحمولة وهم على متن الطائرة قبيل إقلاعها
🙂 ri7la sa3eda
والرسالة المتخيلة مكونة من كلمتين وثلاثة رموز، وهي بلغتنا تقول “رحلة سعيدة”، وهذا معنى الكلمتين. أما الرموز الثلاثة المتبقية فمكونة من قوس وشرطة ونقطتان فوق بعضهما 🙂 -إذا حركت الورقة 90 درجة رأسيا– وجه مبتسم، وكأن القائل يتمنى لك رحلة سعيدة وتعلو وجهه ابتسامة.
ما يميز هذا النوع من الرسائل ويكتب له الانتشار الكبير الذي يحظى به هو الاختصار وسرعة الوصول التي تفوق حتى رسائل البريد الإلكتروني وتكلفتها الزهيدة واختراقها للحدود بين البلدان دون غلو وعالميتها التي تجعل منها وسيلة تعبير صالحة لمعظم اللغات في العالم.
إحصاءات
وقد أذهلتني الإحصاءات التي تبين مدى الانتشار الذي تحرزه رسائل الهواتف المحمولة كل يوم. وهاكم مثالا آخر نسوقه إضافة إلى هوس الفلبينيين برسائل التليفون المحمول الذي تحدثنا عنه. ففي شهر كانون الثاني/يناير الماضي بلغ عدد رسائل التلفون المحمول التي تبادلها البريطانيون –وفقا للأرقام التي ذكرتها جمعية معلومات الهواتف المحمولة في بريطانيا- نحو ألف مليون رسالة، وقد ارتفع العدد عما كان عليه في العام الماضي بنحو 600 مليون رسالة.
وترجع هيئة مراقبة الاتصالات هذه الزيادة الكبيرة في استخدام رسائل الهواتف المحمولة إلى تفادي أصحاب الهواتف للمكالمات الهاتفية عبر التليفون المحمول لارتفاع تكلفتها.
ويقدر عدد الرسائل الهاتفية التي يتبادلها أصحاب الهواتف المحمولة في العالم كل شهر بنحو 800 ألف مليون رسالة.
ويزداد استخدام رسائل الهواتف المحمولة في المناسبات مثل الأعياد، فقد أصبح من اليسير إرسال تهنئة في أي مناسبة إلى من تريد في دقائق –بل ربما في ثوان- وأنت في بيتك أو في سيارتك أو في المقهى. وربما سيولّي قريبا العهد الذي كنا ننتظر فيه ساعي البريد في لهفة لتسلم رسالة من حبيب أو صديق أو قريب. وأصبحت رنة التليفون المبشرة بوصول رسالة مكتوبة هي الصوت الذي يبلغنا بالجديد من الأخبار والتهاني والنميمة أحيانا.
والطريف في رسالة التليفون المحمول أنها تتيح لكاتبها الفرصة لكي يعبر باختصار عن مشاعره دون مواجهة من يراسله. فيمكنك أن تعتذر عما بدر منك إن أسأت التصرف مرة، ويمكنك أن تعبر لمن يخفق لها قلبك بعواطفك دون أن يعلو الخجل وجهك. وفي عيد الحب بلغت عدد رسائل العشاق والمحبين في بريطانيا مثلا 30 مليون رسالة عبر الهواتف المحمولة، مقارنة بنحو 12 مليون بطاقة معايدة عبر البريد التقليدي الذي يحق لنا وصفه ببريد السلحفاة. وقد ساعدت شركات الهواتف المحمولة زبائنها في هذا المناسبة بتمكينهم من كتابة رسائلهم وإرسالها إلى من يهيمون بهم دون أن يعرف المستلم هوية المرسل الولهان.
ولا شك في أن سهولة هذا النوع من الرسائل وسرعته ورخص تكلفته جعل منها وسيلة مثلى بين الطلاب و صغار الشباب الذين أصبح الهاتف المحمول هذه الأيام جزءا من شخصيتهم، وكذلك رواد النوادي الليلية الذين لا تمكنهم أصوات الموسيقى الصاخبة من الحديث فيلجئون إلى الرسائل المكتوبة عبر الهواتف المحمولة.
قواعد لغة الرسائل
ترجع فكرة الرسائل المختصرة تلك إلى تكنولوجيا الكمبيوتر التي انتشرت مع انتشارها مواقع الدردشة. وعبر هذه المواقع يستطيع المشاركون الكتابة وتلقي الرد مباشرة فيما بينهم. بل يعرف المشارك في ثوان إن كان الطرف الآخر تسلم الرسالة وإن كان يعد الرد أو لا.
وبمرور الوقت تعارف المشاركون في مواقع الدردشة واتفقوا على اختصارات بعينها ورموز معينة للدلالة على معان خاصة.
وانتقلت هذه الطريقة الجديدة –أو اللغة الوليدة- إلى الهواتف المحمولة لما توفره من وقت وتكلفة.
ولهذا اللغة قواعد بسيطة ربما كان أكثرها ظهورا في الإنجليزية –كما يبين عنوان الكتيب الذي تحدثنا عنه من قبل- هو الاستغناء عن الحروف الممثلة للحركات. فكلمة “book” أصبحت “bk” وكلمة “text” صارت “txt“، وهكذا.
ولهذه اللغة الوليدة “إتيكيت” خاص، فلا يستخدم المتعاملون بها من الإنجليز الحروف الكبيرة المعروفة بالـ”CAPITAL LETTERS” إذ يعد استخدام هذا النوع من الحروف دلالة على الصياح وعلو الصوت، ولذا لا يستحب استخدامها.
مجالات جديدة
وفي مدينة أكسفورد في بريطانيا تستخدم شركات بيع العقارات الرسائل الهاتفية في إبلاغ زبائنها بوجود عقارات جديدة في السوق، وتستخدم الوسيلة نفسها لإبلاغ أصحاب العقارات بدفع إيجار عقاراتهم في حساباتهم المصرفية.
وتستعين شركات الإسطوانات المدمجة “CD” بالوسيلة ذاتها لإخبار زبائنها المسجلين لديها بالإسطوانات الجديدة.
وأخذت بعض الفرق المسرحية في استخدام هذا الوسيلة في إبلاغ المشتركين معها بما يدور في المسرحية خلال عرضها الحي دون أن يغادروا بيوتهم، أو مقاعدهم في القطارات أو المطاعم مثلا.
مخاطر الثورة الجديدة
وعلى الرغم من الفوائد الجمة لهذه الثورة التكنولوجية فربما يكون سوء استخدامها وبالا على بعض الناس. فقد تسببت رسالة واحدة عبر الهاتف المحمول في سجن أحد سائقي الشاحنات في بريطانيا خمس سنوات لقتله رجلا إثر اصطدام الشاحنة التي كان يقودها به خلال انهماك السائق في كتابة رسالة إلى زوجته يبلغها فيها باقتراب وصوله إلى المنزل. لكن موعد وصوله تأخر خمس سنوات.
(هذه المقالة كتبت في التسعينيات)
