من قاموس الحياة: الفعل ينعَى؟

من قاموس الحياة: الفعل ينعى

في الماضي وقبل عصر الهواتف الذكية المحمولة، ووسائل التواصل الاجتماعي، كان الناس في بعض قرانا العربية، عندما تحُل بهم مصيبة الموت يبعثون بمناد، يسير في شوارع القرية أو البلدة، ليعلن خبر موت المتوفَى، ويعلن اسمه وربما وقت الجِنازة أيضا.

وتلك كانت عادة عربية قديمة. 

إذ تروي كتب القدماء: أن العرب كانت إذا مات منهم ميّت له قَدْرٌ، ركب راكب فرسا وجعل يسير في الناس معلنا خبر الوفاة. وهذا هو الناعي الذي ينشر الخبر.

أما الناعي هذه الأيام فهو وسائل التواصل الاجتماعي، وفي حالة المصائب الكبيرة والكوارث فهو المواقع الإخبارية. 

ومع وفاة الأمير فيليب، دوق إدنبره، أخذت المواقع 

الإخبارية ترصد أخبار من ينعاه.

وكان من ذلك:  

 

في هذه العناوين نقف عند الفعل المكتوب فيها: وهو ينعِي

فهل ننعِي صيغةٌ صحيحة؟

لا خلاف على صيغة الماضي لهذا الفعل، وهي:

نعَى، كالفعل: سعَى، والفعل: رَعَى، والفعل: نأى

فما مضارع هذه الأفعال؟

لا أتصور أن أحدا يمكن أن يخطئ في مضارع الفعل سعَى فهو: يسعَى، وكذلك مضارع رعَى: يرعَى، ومضارع نأى ينأَى، وكذلك أيضا مضارع نعَى هو ينْعَى

فليس هناك إذن (ينْعِي)، 

ولهذا سبب بسيط، فما هو يا ترى؟

هذا السبب موجود في علم الصرف العربي 

والصرف هو العلم الذي يتناول تركيب وصياغة الكلمة في العربية سواء أكانت اسما أم فعلا أم حرفا، ويتناول أيضا صيغ هذه الكلمة.

ونحن هنا نتكلم عن الأفعال: 

(نعَى)، و(سعَى)، و(رعَى)، و(نأَى)

وهذه الأفعال جميعا تندرج تحت صيغة واحدة هي (فعَل) في الماضي، و(يفعَلُ) في المضارع. 

ولهذا قلنا نعَى (فعَل) ينعَى (يفعَل)

فوسط الفعل في الماضي وفي المضارع، أي العين مفتوح، أي مشكول بالفتحة (فعَل) و(يفعَلُ): 

فنقول سعَى- يسعَى، ورعَى- يرعَى، ونأَى- ينأَى، ونعَى-ينعَى.

لكن لماذا صيغت هذه الأفعال جميعا في هذه الصيغة: (فعَل)-(يفعَل)، دون غيرها؟

لاحظوا الصوت أو الحرف الواقع في وسط الفعل في الماضي: في س (ع) ى، ر (ع) ى، ن (ع) ى، ن (أ) ى

هو العين أو الهمزة 

والعين والهمزة أصوات تنطق في منطقة الحلق، أي أصوات حلقية. والأصوات الحلقية في العربية ستة هي:

الهمزة، والهاء، والعين، والغين، والحاء، والخاء

هذا يأخذنا إلى قاعدة صرفية مهمة، وهي أن الفعل الثلاثي، أي المكون من ثلاثة أحرف في الماضي، إذا كان حرفُ الوسط فيه مفتوحا في الماضي (فعَل)، وفي المضارع (يفعَل)، مثل نعَى-ينعَى، فإن وسطه، أي الحرف الثاني، أو آخره، أي الحرف الثالث، هو على الأغلب أحد أصوات الحلق.

ولذلك لا يمكن أن تكون صيغة المضارع من نعَى، هي (ينعِي)، بل (ينعَى)، لأن العين صوت من أصوات الحلق.

لقد سقطت المواقع الإخبارية في مزلق نعَى، وكان يجب على المحررين فيها التدقيق، ومعرفةُ أهمية قواعد الصرف، وصيغ الفعل الثلاثي، وعين هذا الفعل، والأصوات الحلقية. 

دققوا  قبل أن تكتبوا وقبل أن تنشروا.

للمشاركة على :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

البحث

محمد العشيري

عملت محاضرًا في اللغة والثقافة العربية في جامعة برمنجهام البريطانية. درَستُ علم الأصوات اللغوية وعلم اللغة وتخصصت فيهما، ثم درَّستهما فيما بعد. وتشمل مجالات اهتمامي علوم اللغة العربية، والخطاب الإسلامي، واللغة في وسائل الإعلام. عملت أيضًا في جامعة وستمنستر في لندن، وجامعة عين شمس المصرية في القاهرة. وعملت مذيعا ومقدم ومعد برامج في هيئة الإذاعة البريطانية. من بين مؤلفاتي: “أصوات التلاوة في مصر: دراسة صوتية، و“عربية القرآن: مقدمة قصيرة”، و”كتاب الزينة في الكلمات الإسلامية والعربية لأبي حاتم الرازي: دراسة لغوية”. ونشرت مجموعة قصصية تحت عنوان “حرم المرحوم” وكتبا أخرى.