١ رمضان ١٤٤٢-أبريل ٢٠٢١
وظيفة الحوار
رمضان كريم
من يقرأ القرآن الكريم من أوله إلى آخره يلحظ ملمحا مهما جدا فيه. هذا الملمح هو ”الحوار“.
وما أعنيه هنا بالحوار هو الشكل الأدبي الموجود في قصص القرآن، وهو ”الحوار“ بين شخصيات القصص.
وقصص القرآن جزء من نسيج الكتاب الكريم ذاته، وليست منفصلة عنه. إذ إن المقاطع القصصية التي استخدمت في بعض سور القرآن ملتحمة ببقية السورة، وكذلك حال السور الكاملة التي كرست لقصة واحدة أو عدة قصص، مثل سورة ”يوسف“، وسورة الأنبياء، وغيرهما.
وربما يفهم بعضنا ضرورة استخدام ”الحوار“ في القصص التي يقصها الكتاب الكريم على النبي عليه السلام، وعلى قارئي القرآن في عصره وبعد عصره، بأنه ضرورة ”فنية“ يقتضيها السرد القصصي ذاته، سواء في القرآن أم في غير القرآن.
لكنني أزعم أن ”الحوار“ في الكتاب العظيم، مقصود لذاته، سبيلا للتفاهم بين الناس، ومَعْبرا للتوصل إلى حل لمشكلاتهم، وهذا – في رأيي – هو الدرس المستفاد من استخدامه في القرآن الكريم.
لقد حاور رب العزة سبحانه وتعالى إبليس، الذي تكبر وخرج عن طاعة أوامره، ولم يأمر بنفيه، أو قتله، أو تعذيبه، وإن حدث ذلك فإنه لم يقع إلا بعد ”حوار“.
وحاور الله تعالى الملائكة قبل أن يخلق آدم، ومن بعد خلقه، ولم يكن – جل شأنه – في حاجة إلى ذلك، لكنه النهج الذي يريد القرآن تربيتنا عليه.
وحاور الله الأنبياء، آدم، ونوحا، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد، وغيرهم.
وحاور الأنبياء أهليهم وأقوامهم، كما فعل إبراهيم عليه السلام مع أبيه، ومع قومه.
ويكاد الكتاب الكريم لا تخلو صفحة فيه من ”الحوار“.
فهل فهمنا نحن الدرس؟ أم أننا نقرأ القرآن في صلواتنا دون وعي ودون انتباه، وفي غير صلواتنا من أجل ختمه، وبلا تدبر أو تمعن في الدروس والأهداف.
إن نهجنا جله اليوم مخالف تماما لروح التفاهم التي يرشدنا إليها القرآن الكريم من خلال استخدام أسلوب ”الحوار“ فيه.
نهجنا اليوم فظ، ويتسم بالتسلط، والإملاء، والإكراه. ولهذا أفضى إلى الفرقة، والقتل، والإقصاء، ولم يحل مشكلة حلا جذريا طويل الأمد.
وأنا لا أقصد بالحوار هنا المعنى الذي يستخدمه بعض شبابنا، عندما يقولون مثلا: ”الحوار ده مش عجبني“، أي ”الكلام“.
وأرجو ألا يكون ”حواري“ هذا عن ”الحوار“ طاردا لهم.
مرتبط
اكتشاف المزيد من أَسْرُ الْكلام
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.