كيف نحرك التقاء الساكنين في العربية؟

كيف نحرك التقاء الساكنين في العربية؟

تتبنى لغات العالم قواعد مختلفة عند تتابع الأصوات فيها. 

فمنها ما يقبل توالي صوتين ساكنين (أي صامتين – consonants) أو أكثر، دون أن يفصل بينهما حركة (صوت صائت – vowel)، كالإنجليزية.  

ومنها ما لا تسمح قواعده بهذا إلا في حالات قليلة، مثل العربية.

ولحل هذه المشكلة التي يواجهها المتحدث باللغة العربية الفصيحة، والتي سألني عنها أخ كريم مهتم بأصوات العربية، يفصل الناطقون بين الصوتين الساكنين، (س١، وس٢) بحركة. وهذه الحركة الفاصلة في الأغلب ”كسرة“، لكنها قد تكون ”فتحة“، وقد تكون ”ضمة“. ومثال ذلك لمن يريد معرفة القاعدة سريعا:

١ – مَـ(نْ) + (الْـ)متكلم؟ = مَنِ الْمُتكلّم؟

٢ – مِـ(نْ) + (الْـ)بيت = مِنَ الْبيت

٣ – خُـ(ذْ) + (الْـ)كِتاب = خُذِ الْكِتاب 

٤ – لهـُ(مْ) + (الْـ)حق = لهُمُ الْحق

تتابع الأصوات:

لكن متى نستخدم الكسرة لفصل الساكنين، ومتى نلجأ إلى الفتحة، أو الضمة؟ وهل لذلك علاقة بالصوت الذي يسبق الساكن الأول، أم بالصوت الذي يسبق الساكن الثاني؟

وما المقصود بالصوت الساكن في هذا السياق؟

هذه إحدى الظواهر الصوتية التي يساعدنا في فهمها بوضوح علم الأصوات (phonetics).

ومدار الحديث هنا هو تتابع الأصوات وليس تتابع الحروف، إذ إننا نتكلم هنا عن ظاهرة صوتية. وفي علم الأصوات، الذي يدرس الكلام المنطوق، نستخدم مصطلح ”الصوت“، وليس ”الحرف“ الذي يستخدم للإشارة إلى ظواهر شكل اللغة المكتوب.  

”الساكن“:

أما المقصود بمصطلح الصوت ”الساكن“ في العربية في هذا سياق ساكنين فهو: 

  • إما الصوت الصامت الذي لا يتبعه صوت صائت، أي حركة، مثل صوت النون في نهاية كلمتي (مِنْ – min، أو مَنْ – man) 
  • وإما الحركة الطويلة، التي يرمز إليها في الكتابة بحروف المد (ـَا، ـُـو، ـِي)، كالصوت الأخير في (وصلنَا، ويدعُو، ويرمِي). 

وإذا تتابع صوتان ساكنان في العربية، فيجب الفصل بينهما بحركة، كما ذكرت، من أجل تسهيل النطق على المتكلم. إذ إن متكلم العربية الفصيحة يصعب عليه نطق أي صوتين ساكنين متتابعين، (فيما عدا حالة الوقف، أي عند انتهاء الكلام. فإذا وقفنا عند نهاية الفعل ”كَتَبْتْ“ اجتمع ساكنان، لأن الوقف يؤدي إلى حذف ضمة ضمير المتكلم ”تُ“).

غير أن بعض اللهجات العربية، مثل اللهجة اللبنانية، يسمح بتتابع الصوتين الساكنين، حتى في بداية الكلمة، فيقول اللبنانيون ”كْتَاب -ktaab“. 

وقد يظهر تتابع الصوتين الساكنين في العربية الفصيحة داخل الكلمة الواحدة، أو بين كلمتين. لكني سأقصر الكلام هنا على الحالة الثانية، أي توالي الساكنين (س١، وس٢) بين كلمتين.

وفي معظم أمثلة تلك الحالة يظهر الصوت الساكن الثاني (س٢) في بداية كلمة معرفة بأداة التعريف ”الْ“. مثال ذلك: 

  • خُذْ الْكتاب (ذْ + لْ)
  • مَنْ المتكلم؟ (نْ + لْ)
  • مِنْ الْبيت (نْ + لْ)
  • لهُمْ الْحق (مْ + لْ)
  • وصلنَا الْيوم (حركة طويلة: ـا + لْ)

ويرجع ذلك إلى أن الكلمات العربية لا تبدأ إلا بصوت صامت متبوع بصوت صائت، أي حركة، وليس بصوتين ساكنين متتابعين. والحالة الوحيدة المخالفة لهذا هي الكلمات المسبوقة بأداة التعريف (الْ).

وظيفة الصوت الصائت:

لفصل هذين الصوتين الساكنين المتتابعين عبر كلمتين، يضع الناطقون باللغة صوتا صائتا، أي حركة بعد الساكن الأول (س١).

وقد تكون هذه الحركة إما كسرة، وإما فتحة، وإما ضمة. لكن ما الذي يحدد نوع هذه الحركة الفاصلة؟ 

إذا نطقنا الأمثلة السابقة بطريقة متصلة فإننا نقول:

  • خُذْ الْكتاب (ذْ + لْ) = خُذِ الْكتاب (حركة الوصل: كسرة)
  • مَنْ الْمتكلم؟ (نْ + لْ) = مَنِ الْمُتكلم؟ (حركة الوصل: كسرة)
  • مِنْ الْبيت (نْ + لْ) = مِنَ الْبيت (حركة الوصل: فتحة)
  • لهُمْ الْحق (مْ + لْ) = لهُمُ الْحق (حركة الوصل: ضمة)

من تلك الأمثلة نتبين أن العامل المتحكم في نوع حركة الوصل هو الحركة السابقة على الصوت (س١)، على النحو التالي:

١ – إذا سُبق (س١) بضمة ليست في ضمير جمع تكون الحركة الفاصلة كسرة: خُـ(ذْ) + (الْـ)كِتاب = خُذِ الْكِتاب 

٢ – إذا سُبق (س١) بفتحة تكون الحركة الفاصلة كسرة: مَـ(نْ) + (الْـ)متكلم؟ = مَنِ الْمُتكلّم؟

٣ – إذا سُبق (س١) بكسرة تكون الحركة الفاصلة فتحة: مِـ(نْ) + (الْـ)بيت = مِنَ الْبيت

٤ – إذا سُبق (س١) بضمة في ضمير جمع تكون الحركة الفاصلة ضمة: لهـُ(مْ) + (الْـ)حق = لهُمُ الْحق

توالي الأمثال:

تظهر الأمثلة أيضا ميل الناطقين بالعربية إلى استعمال ”الكسرة“ أكثر. إذ إنها تستخدم عند سبق (س١) بفتحة أو بضمة (إن كانت ليست جزءا من ضمير جمع). 

وتشير الأمثلة كذلك إلى كراهية الناطقين لتوالي الأصوات المتماثلة. فإذا سُبق (س١) بكسرة فلا تكون الكسرة هي الحركة الفاصلة المفضلة، بل تستعمل الفتحة، حتى لا تتوالى كسرتان، فلا نقول مثلا (مـِنـِ البَيْت). 

وكذلك إذا سُبق (س١) بفتحة فلا تستعمل الفتحة للفصل بين الساكنين، بل الكسرة، لكراهية تتابع فتحتين. فلا نقول مثلا (مـَنـَ الذي)

التناغم الصوتي:

لكن لماذا تستعمل الضمة حركة فاصلة بين ساكنين يسبق أولهما ضمة، كما هو الحال في ضمير الجمع المنفصل (أنتُمْ)، و(هُمْ)، أو ضمير الجمع المتصل (ــكُمْ)، و(ــهُمْ)، عند ظهوره قبل ساكن آخر؟ في مثل: 

  • أنتُمْ + الْفائزون = أنتُمُ الْفائزون
  • هُمْ  + الْفائزون = هُمُ الْفائزون
  • لكُمْ + السَّبق = لكُمُ السَّبق
  • لهُمْ + السَّبق = لهُمُ السَّبق

يرجع تفضيل استعمال الضمة في الأمثلة السابقة بوصفها حركة فاصلة بالرغم من سبق الساكن الأول بصوت مماثل هو (الضمة)، إلى ما نسميه بتناغم الحركات (vowel harmony). إذ إن هذا التناغم يجعل النطق أيسر وأسلس، خاصة مع صوت الضمة الذي يتطلب جهدا يتمثل في ارتفاع الجزء الخلفي من اللسان مع استدارة الشفتين في الوقت نفسه. 

ولا شك أن الجهد العضلي عند استعمال صوت الضمة أقل كثيرا عند نطق الأمثلة السابقة، من استعمال صوت آخر، كالفتحة أو الكسرة، لأنه لن يقتضي الانتقال من الوضع الخاص بصوت الضمة إلى وضع آخر يتطلبه صوت الكسرة أو الفتحة. وسوغ هذا التناغم الصوتي التغاضي عن كراهية توالي صوتين متماثلين.

موضوعات أخرى قد تعجبكم: 

للمشاركة على :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

البحث

محمد العشيري

عملت محاضرًا في اللغة والثقافة العربية في جامعة برمنجهام البريطانية. درَستُ علم الأصوات اللغوية وعلم اللغة وتخصصت فيهما، ثم درَّستهما فيما بعد. وتشمل مجالات اهتمامي علوم اللغة العربية، والخطاب الإسلامي، واللغة في وسائل الإعلام. عملت أيضًا في جامعة وستمنستر في لندن، وجامعة عين شمس المصرية في القاهرة. وعملت مذيعا ومقدم ومعد برامج في هيئة الإذاعة البريطانية. من بين مؤلفاتي: “أصوات التلاوة في مصر: دراسة صوتية، و“عربية القرآن: مقدمة قصيرة”، و”كتاب الزينة في الكلمات الإسلامية والعربية لأبي حاتم الرازي: دراسة لغوية”. ونشرت مجموعة قصصية تحت عنوان “حرم المرحوم” وكتبا أخرى.