مكانة ”رجال الدين“ لدى عوامنا مقدسة، بالرغم من أن الدين ليس له رجال ولا نساء، بل له أنبياء ورسل، أرسلهم الله سبحانه وتعالى برسالات وشرائع ناسبت عصورا وبيئات مختلفة، وعالجت أدواء وأمراضا كانت منتشرة.
وللدين أيضا تابعون يؤمنون برسالته، من الرجال والنساء، وله أيضا فقهاء صرفوا قسطا وافرا من حياتهم ليتفقهوا في الدين، ومن هؤلاء عالمون ومنهم عابدون.
ولكن لا أحد مقدس منهم، فهم بشر حتى وإن عاشوا في عصر الرسالة. فأتباع الدين بأفعالهم وسلوكهم وتقواهم، وليسوا بأقوالهم ومروياتهم، والله تعالى وحده هو الذي يعلم سريرة كل منا.
ولا يخلع على هؤلاء القداسة حديث رووه، أو كتاب دبجوه، فهم يأكلون ويشربون، ويشتهون، ويساورهم وساوس ونوازع كما يساورنا.
ولذلك لا ينبغي لنا أبدا أن ننعتهم بوصف يخالف الدين، ألا وهو وصف ”رجال الدين“، فلا كهنوت في الدين.
ومشهد الشيخ محمد حسين يعقوب، أحد هؤلاء ”الدعاة“ في المحكمة، بغض النظر عن أي ملابسات تتعلق بسياق المحاكمة، أو القضاة، أو الظروف السياسية، مشهد كاشف لبشريتهم، نازع لثوب القداسة عنهم.
فهم مثلنا يخشون السلطان، ويقترفون الكذب، ويتملصون من قول الحق، لأنهم بشر يخشون الناس، ويألمون كما يألم الناس.
وقد يكون في المشهد درس لمن يقدس ”الدعاة“، أو ”المنتسبين“ إلى الدين، حتى يخلع عنهم ثوب القداسة ويعاملهم بحسب قدرهم، وبحسب أفعالهم وسلوكهم، وليس بحسب ما يلقون من دروس.
وكثير من هؤلاء، وآمل ألا يغضب مني أحد، متبعون مقلدون، بالرغم مما يحمله بعضهم من شهادات عليا.
وقد يرجع ذلك إلى أنهم لا يرون للاجتهاد وإعمال العقل مكانا في تفسير نصوص الدين، وأنا أؤكد كلمتي هنا ”تفسير نصوص الدين“، بالرغم من دعوة القرآن العظيم إلى التدبر وإعمال العقل، والتفكر.
وربما يعود ذلك أحيانا إلى القدر المحدود الذي حصلوه من التعليم، مثل شيخنا الذي قال إنه يحمل ”دبلوم المعلمين“. ولا عيب في ذلك أبدا. لكن هؤلاء غالبا ما ينحون إلى الاتباع والتقليد، لأنهم لم يتلقوا من العلوم ”المدنية“ ما يفتّح لهم نوافذ التفكير على إعمال العقل فيما يقرأون. ومن الأيسر بالنسبة إليهم الأخذ بالرواية، وليس الأخذ بالدراية، خاصة إذا كان العلم الذي يدرسون من العلوم التي تعرف في ثقافتنا بالعلوم الشرعية، أو علوم الدين. وهل مع الدين إعمال للعقل؟ هكذا يفكرون.
ومهما كان الهدف من وراء ظهور الشيخ في المحكمة، فإنه أظهر لنا أنه بشر، يخطئ ويصيب، ويضعف ويتهرب.
فهل أرادت المحكمة كشف ستر الشيخ وإظهار بشريته؟
الله وحده أعلم، وهو وحده المقدس.
مرتبط
اكتشاف المزيد من أَسْرُ الْكلام
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
One Comment
اتذكر دائما رد على بن ابي طالب كرم الله وجهه (وكان في العاشرة من عمره) على دعوة ابن عمه ( الرسول صلى عليه وسلم) للاسلام. سمع على ثم قال انه سوف يفكر في الامر (رغم انه كان يعتبر ابن عمه قدوته ومثله الاعلى).
الان كثر المقدسون، لَيْس في الدين فقط، وتلك مصيبة “بعض” البشر!