“اِلْتَقَى” وتعدي الفعل بين الاستخدام والمعجم

"التقى" بين الاستخدام والمعجم

أعجبني تعليق كتبه أستاذ فاضل عن استخدام فعل “التقى”، وهل الصواب أن يتعدى الفعل بنفسه إلى مفعوله، فنقول “التقاه، أو التقى المدير الموظف”؛ أو أن يتعدى بحرف جر، فيقال ” التقى به، أو معه، أو التقى المدير مع الموظف، أو بالموظف”.

وأود أن أضيف مسألة يغفلها كثيرون ممن يتعرضون لما يعرف بـ”الأخطاء الشائعة”، وهي أن اللغة – أي لغة – متغيرة بطبعها باعتبارها ظاهرة اجتماعية. ولا يصح أبدا أن نأخذ “المدفون” في بطون المعاجم لنفرضه على الكتاب في عصرنا، على أنه هو “الصواب”.

ونحن نشهد في عصرنا الحالي اتجاها في العربية، تتعدى فيه أفعالها – التي كانت تتعدى بنفسها لمفاعيلها – بحرف من حروف الجر.

ولذلك فأنا أشعر بغصة (لغوية) كلما قرأت عبارات من قبيل “الحاكم الذي أطاحته الثورة”، و”كلفه الرئيس الوزارة”.

بيد أني لا أرى غرابة في تبني بعض اللغويين، والمصححين في وسائل الإعلام، مثل هذا الاتجاه التقليدي، فهو أمر عام لا يقتصر على اللغة فحسب، بل يتعداها إلى الفكر في مناحي الثقافة برمتها.

إذ ينحو كثير منا إلى ترديد ما قاله علماء، أو فقهاء، أو مؤرخون، أو شعراء، أو كتاب، وتكراره وتبنيه لقدمه، لأننا نسبغ قداسة على كل قديم. ونتهم من يخرج عليه بالمروق أحيانا، أو مجانبة “الصواب”، أو “الفصيح” أحيانا، بل حتى بـ”التجديف”، للخروج على “الأصول”، أو “الثوابت”، وما تلك إلا مصطلحات صاغها بشر مثلنا، كانوا أبناء عصورهم وبيئاتهم، وكانوا يعبرون بسك تلك المصطلحات عن أفكار تبنوها.

للمشاركة على :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

البحث

محمد العشيري

عملت محاضرًا في اللغة والثقافة العربية في جامعة برمنجهام البريطانية. درَستُ علم الأصوات اللغوية وعلم اللغة وتخصصت فيهما، ثم درَّستهما فيما بعد. وتشمل مجالات اهتمامي علوم اللغة العربية، والخطاب الإسلامي، واللغة في وسائل الإعلام. عملت أيضًا في جامعة وستمنستر في لندن، وجامعة عين شمس المصرية في القاهرة. وعملت مذيعا ومقدم ومعد برامج في هيئة الإذاعة البريطانية. من بين مؤلفاتي: “أصوات التلاوة في مصر: دراسة صوتية، و“عربية القرآن: مقدمة قصيرة”، و”كتاب الزينة في الكلمات الإسلامية والعربية لأبي حاتم الرازي: دراسة لغوية”. ونشرت مجموعة قصصية تحت عنوان “حرم المرحوم” وكتبا أخرى.