في الموت والحياة

في الموت والحياة

مولد الإنسان وموته كلاهما صعب، فالولادة شاقة على الأم، كما كان الحمل، ولحظاتها صعبة على الأسرة التي تترقب الوافد الجديد. وكذلك الموت صعب على الأهل، بل لقد وصفه القرآن الكريم بتعبير “مصيبة الموت”، بسبب لوعة الفقد، وغيبة المحبوب، ابنا، أو زوجا، أو أبا، أو جدا، أو أما، أو بنتا، أو زوجة.

وعلى الرغم مما قد يواجهه الوليد القادم من موت حتى في لحظة الولادة، فإنه ربما لا يعاني كما تعاني الأم آلام المخاض. ولست أظن أن من حضره الموت يعاني قدر ما يتجرعه الأهل والأقارب والأصحاب من ألم الفقد.

ويجب أن نتوقف عند استخدام القرآن لتعبير “سكرة الموت” عند الحديث عن الموت، وكأن من يلاقي الموت ليس في تمام وعيه، وكأنه في حالة سكر. ولعل هذا من نعم الله على بني الإنسان في الموت، كما هو الحال أيضا عند تعرض الإنسان لحادث ما، فهو غالبا ما يفقد الوعي فلا يشعر بالألم لبعض الوقت.

ومن يقرأ القرآن الكريم يدرك أن الجسد لا علاقة له بالموت، بل النفس هي التي تتذوقه، (كل نفس ذائقة الموت).

والأفعال التي يستخدمها القرآن مع “الموت” ربما تؤيد ما ذهبت إليه من تفسير ل”سكرة الموت”. فالقرآن يتحدث عن الموت بأفعال مخصوصة، هي “حضر”، و”لقي”، و”جاء”، و”أتى”. وليس في أي من تلك الأفعال فعل يدل على الشدة.

وربما يدعم ما أذهب إليه أيضا مشاهد العذاب في الآخرة، في جهنم حيث “لا يموت فيها”، فيخفف الموت العذاب عمن يتلقاه، وليظل إحساسه بالعذاب دائما.

رحم الله من عبروا الدرب.

للمشاركة على :

One Comment

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

البحث

محمد العشيري

عملت محاضرًا في اللغة والثقافة العربية في جامعة برمنجهام البريطانية. درَستُ علم الأصوات اللغوية وعلم اللغة وتخصصت فيهما، ثم درَّستهما فيما بعد. وتشمل مجالات اهتمامي علوم اللغة العربية، والخطاب الإسلامي، واللغة في وسائل الإعلام. عملت أيضًا في جامعة وستمنستر في لندن، وجامعة عين شمس المصرية في القاهرة. وعملت مذيعا ومقدم ومعد برامج في هيئة الإذاعة البريطانية. من بين مؤلفاتي: “أصوات التلاوة في مصر: دراسة صوتية، و“عربية القرآن: مقدمة قصيرة”، و”كتاب الزينة في الكلمات الإسلامية والعربية لأبي حاتم الرازي: دراسة لغوية”. ونشرت مجموعة قصصية تحت عنوان “حرم المرحوم” وكتبا أخرى.