الدهشة بداية المعرفة

ثورة ٢٥ يناير

طرحت عليّ سائلة جليلة سؤالا في إحدي القضايا، والحياء يغمرها، خشية أن يكون السؤال ساذجا، أو أن ينم عن قلة علم. فهونت عليها الأمر ولها كتبت ما كتبت هنا، فشكرا لها.
“الدهشة هي بداية المعرفة”
وعندما يثير شيء مادي، أو أمر معنوي دهشة الإنسان يأخذ في التساؤل وطرح الأسئلة سعيا وراء المعرفة.
كان هذا دأب الأولين في تاريخ الإنسانية، وظل هو ديدن من يحترم العقل في كل أمة وفي غير زمان. ولا يجد الإنسان الباحث عن المعرفة أي عيب في طرح الأسئلة بغية الوصول إلى حقيقة، أو معلومة، أو فكرة.
لكن شباب أيامنا – أو ربما بعضهم – لم يعودوا ينهضون إلى التساؤل. فهل يرجع ذلك إلى وفرة مصادر المعرفة بين أيديهم، في هواتفهم الذكية المحمولة، أو حواسيبهم المرتبطة بشبكة الإنترنت؟
أو تراه يرجع إلى ذكاء محرك البحث “جوجل”، الذي نادرا ما يخذل متسائلا، وإن كانت منابع المعرفة لديه لا تتسم بالصدق أحيانا، وليست أهلا للثقة أحايين أخرى.
أو أن ذلك المسلك، وهو عزوف بعض الشباب عن التساؤل وطلب المعلومة من غيرهم، يعود إلى كبرياء فارغة لدى بعض شباب اليوم، يشبعها لديهم إلمامهم بتكنولوجيا أجهزة العصر، التي لا تغني عن معارف العصر، ونهل بعضهم من لغات أخرى أجنبية، بها يفخرون وبلكناتها يتباهون، ويعافون معها لغات أمهاتهم، التي هي لُب هويتهم؟
ربما ..
ولعل إحجام هؤلاء الشباب عن السؤال، الذي هو مبدأ المعرفة، امتداد لسمة أخرى ملحوظة لديهم، وهي البعد عن التزام الدقة فيما يقولون أو ينقلون أو يكتبون. فمن لا يسأل لا يدقق. ومن يشعر بأن ما لديه يكفيه لا يطلب.
لكن للظاهرة بعدا أعمق – في رأيي – هو مكانة العقل في خطابنا الفكري.
إذ إن ثقافتنا ثقافة سمعية، تعلى النقل على العقل. وبالرغم من علو مكانة العقل في فترة من تاريخنا الفكري حينما علا كعب المعتزلة، فقد جاء وقت قيل فيه إن باب الاجتهاد أُغلق! ترى من أغلقه؟ وما أسباب هذا الانغلاق؟
ومع زحف الموروث النقلي أخذ العقل ينزوي ويتدارى، حتى جاء زمن أضحى فيه من يُعمل عقله، يُتهم بالخوض في متاهات الهرطقة وقد يوصم بالكفر.
ولهذا غلب على تربيتنا لأولادنا تشجيعهم على الاقتباس، والاستشهاد، وهيمن على تعليمنا نقل المتون القديمة وشرحها، ودرس حواشيها، إلا ثلة قليلة نجت، وهي التي نعقد عليها الأمل.
ولا أعتقد أن حال الأمة سينصلح في غيبة العقل، وانقضاء الدهشة، واختفاء الأسئلة. ولا يمكن أن نحرز تقدما دون التفكر فيما حولنا، وتدبر ما نشاهد أو نسمع أو نقرأ، وعرضه جميعا على ميزان العقل، وطرح الأسئلة إن لم نعرف، واستشارة ثقات العلماء، والمفكرين، والبحث عن المعلومات في مصادرها الأصيلة الموثوق بها.
اسألوا تعرفوا!

للمشاركة على :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

البحث

محمد العشيري

عملت محاضرًا في اللغة والثقافة العربية في جامعة برمنجهام البريطانية. درَستُ علم الأصوات اللغوية وعلم اللغة وتخصصت فيهما، ثم درَّستهما فيما بعد. وتشمل مجالات اهتمامي علوم اللغة العربية، والخطاب الإسلامي، واللغة في وسائل الإعلام. عملت أيضًا في جامعة وستمنستر في لندن، وجامعة عين شمس المصرية في القاهرة. وعملت مذيعا ومقدم ومعد برامج في هيئة الإذاعة البريطانية. من بين مؤلفاتي: “أصوات التلاوة في مصر: دراسة صوتية، و“عربية القرآن: مقدمة قصيرة”، و”كتاب الزينة في الكلمات الإسلامية والعربية لأبي حاتم الرازي: دراسة لغوية”. ونشرت مجموعة قصصية تحت عنوان “حرم المرحوم” وكتبا أخرى.