لا أدري إن كان اختيار يوم الحادي والعشرين من مارس (آذار) احتفالا بعيد الأم مصادفة، أم أمرا مقصودا؟ ففي هذا اليوم تزدان أمنا الأرض بالأزاهير وتورق الورود، معلنة بدء ربيع عمرها، الذي يتجدد كل عام.
هناك من يستقبل منا هذا اليوم فرحا هانئا حانيا مع أمه فيحتفي بها ويرشف معها رضاب حنان كان يرضعه صغيرا، واليوم يتذوقه في لمسة يدها، أو نظرة عينيها، أو ضمة حضنها التي تعادل سعادتها كل لذات العالم. فلتستمتعوا بكل لحظة، قبل أن تمضي بلا عودة، فلحظات العمر دقات لا يبقى منها سوى أصداء.
وهناك من يستقبل منا هذا اليوم – وأنا من هؤلاء – وقد خبا في بيته صوت أمه الحاني، وانطفأ بريق العينين المشع بالوداد، وفُقدت في أرجائه لمسات أصابع تشعر بنعومة عطفها مهما اخشوشنت بفعل الزمن، وملأته برودة قساوة الأيام بعد فقد حضنك يا أمي.
ومن أجل ذلك غيرت دول يوم الاحتفال من عيد الأم إلى عيد الأسرة.
لكنا لا ينبغي – مع ذلك الإحساس بالمرارة – ألا نشارك المحتفين، وليكن احتفالنا بعيد أمنا الأرض، بعد أن ضمت بين جنبات أحضانها بقايا من أمهاتنا، فقد أزهرت دفقات الحب في قلوبهن من تحت التراب، ورودا أينعت فوق ثراك أمنا الأرض، فلبست لهذا اليوم ثوبا مزخزفا، بعد أن علا بشرتك إصفرار تشقق أوراق الخريف.
ولنخرج في يومك هذا يا أمي إلى مروج أمنا الأرض لنشم عبق عرقك، ومسك طيب فمك. ولتلامس أيادينا أطراف أناملك في ثراك أمنا الأرض، ولنقبل وجنتيك في حمرة الورود المتفتحة. ولنغني في الفضاء بصوت عال، لا تحده أرجاء ولا تصده حيطان، احتفاءً بعيدك: كل عام وأنت بألف خير أمنا الأرض، ومن وراءك كل أم سواء من لما تزل تنعم بالحياة فوق ثراك، أم من آثرتِ أنتِ ضمها بين أحضان ترابك.