أنا أعترف أنني لست اجتماعيا بالقدر الذي يتوقعه الآخرون مني، وأميل إلى الانطواء على نفسي، خاصة في المناسبات الجماعية، ولا أرغب – إن ترك الخيار لي – في الانخراط في تلك المناسبات، سواء أكانت داخل البيت أم خارجه. بل أوثر أن أخلو إلى نفسي محادثا لها، وأجد في ذلك متعة أيما متعة. ولا يهمني – في قرارة نفسي – حكم الآخرين على هذا المسلك مني. فقد يعده بعضهم عرضا لمرض، وقد يظنه بعض آخر عرضا لما آل إليه حالي بعد أن بلغت من السن مبلغا.
لكني أقول دعوني وشأني، ففي الكمبيوتر ملاذ لا أجده لدى أي وسيط آخر، أبثه آهات نفسي، وأبكيه عثراتها فيما مضى من أيام وشهور وسنين، وأحلم معه، وعلى صفحاته – دون أن يعترض أو يبدي أي تأفف أو يحيد عن الحديث إلى آخر يخصه هو، كما يفعل بنو البشر – بما أعتزم فعله وتحقيقه.
حديثي مع نفسي في خلواتي بها فيه اعترافات لم يحن بعد وقت البوح بها حتى لهذا الوسيط الودود. وكثيرا ما أقول لأخلائي: لو عرفتم ماذا يدور داخل هذا الرأس لكان لكم مسلك آخر معي، لكن، من نعم الله تعالى علينا أن جعل لرؤوسنا أغطية ساترة، ولم يجعل التفكير شفافا وبصوت عال، وجعله إشارات عصبية غير مرئية، مهما تعاركت فيها الفِكَر، فلن يراها أو يسمعها أي إنسان مهما كان لصيقا بك.
آمل مع بداية العام الجديد أن يطمح بنا الخيال والآمال، وأن تلاحقه الأفعال فنحقق جزءا مما نأمل لأنفسنا.
وآمل أن نسعى في أيام هذا العام الجديد إلى إسعاد غيرنا وإلى مواصلة إشاعة الود مع الآخرين، حتى نعيش في وئام مع أنفسنا ومع من نعايش.
ولا ينس كل منا الطفل الصغير بداخله، الذي لا يكبر مهما مرت السنون وتوالت الأعوام، فلا يكبت جموحه، ولا يقيد نزقه إن لم يكن في ذلك ضر بالآخرين.
وكل عام أنتم أكثر سعادة وإسعادا.