أسئلة عن خرافة “عذاب القبر”

عذاب القبر: أسئلة

نشرت في يومية سابقة كلاما عن الحج، كنت قد كتبته خلال رحلتي لأداء الفريضة في عام ٢٠١٢، وكان فيه جزء يتعلق بما يعرف في الثقافة الموروثة بـ”عذاب القبر”.

وعلق أحد قراء اليوميات على ما كتبته بهذا الصدد. وأثار تعليقه في ذهني عدة أسئلة، رغبت في طرحها في هذه اليومية، لأني عرضت للقضية في غير موضع من كتاباتي، ولا أريد الخوض من جديد فيها، لكني أود هنا فقط أن أطرح بعض الأسئلة، عسى أن نتلقى إجابات عليها.

والصديق الكريم الذي تصدى للتعليق أستاذ جامعي مثقف ودود. وهو شديد الغيرة على “الموروث”.

وكان هذا تعليقه على ما جاء في اليومية بشأن تلك القضية:

١- … يعجبني طرحك ومناقشتك، ولكني أختلف معك فيما قلته وتكرره: (… خوفا من “عذاب القبر”، الخرافة التي تربى عليها، وأفضت إلى ارتكابه جرما أفظع ظن أن فيه مهربا.غفر الله له) فهذا من الأمور الغيبية التي لا نستطيع أن نحكم عليها بأدلة عقلية، ولكن هناك إشارات دالة عليه في القرآن، وثبت ذلك في السنة في كثير من الأحاديث، وأعلم ردك عن الأحاديث، ولكن ما ينقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إن صح فهو أولى إليّ مما يقيسه أخي وحبيبي د. محمد العشيري أو يستنبطه.

٢- فقوله تعالى: وَحَاقَ بِآَلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ * النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آَلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ {غافر: ٤٥-٤٦}. وقوله تعالى: سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ {التوبة:١٠١}. وقوله تعالى: وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ {الطور: ٤٧}. فهو عذاب القبر قبل عذاب يوم القيامة. وأما السنة: فمنها ما ورد في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبرين فقال: إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما: فكان لا يستبرئ من البول، وأما الآخر: فكان يمشي بالنميمة. ومنها ما ورد في صحيح مسلم: إن هذه الأمة تبتلى في قبورها، فلولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه. وفي صحيح مسلم أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا فرغ أحدكم من التشهد الأخير فليتعوذ بالله من أربع: من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال. إلى غير ذلك من الأحاديث الصحيحة الثابتة

٣- وأما النقل عن علماء الأمة: قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وقد تواترت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثبوت عذاب القبر ونعيمه لمن كان لذلك أهلا، وسؤال الملكين فيجب اعتقاد ذلك والإيمان به، ولا نتكلم عن كيفيته، إذ ليس للعقل وقوف على كيفيته، لكونه لا عهد له به في هذه الدار، والشرع لا يأتي بما تحيله العقول، ولكن قد يأتي بما تحار فيه العقول. اهـ.

قال الحافظ ابن رجب في كتابه أهوال القبور: وقد تواترت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في عذاب القبر، ففي الصحيحين عن أم المؤمنين عائشة أنها قالت: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن عذاب القبر، قال: نعم عذاب القبر حق.

ولاحظت في التعليق إغفاله، الذي قد يكون متعمدا أو بدون قصد، للمسألة الأساسية وهي قضية الحساب. فكلنا يعلم من القرآن العظيم أننا سنبعث يوم القيامة وأننا سوف نحاسب على أعمالنا في دار الدنيا، وأننا سنثاب أو نعاقب بعد الحساب.

أفليست فكرة “عذاب القبر” مناقضة لفكرة البعث ثم الحساب ثم الثواب أو العقاب؟ وهل من رد على هذا السؤال ممن يؤيدون الفكرة؟

ثم هناك سؤال آخر: هل يظلم ربنا، جل وعلا وحاشاه، عباده فيعذبهم قبل أن يحاسبهم؟ ليس هذا ظني بالله تعالى.

وسؤال ثالث: إن كان هناك عذاب في القبر، فلماذا لا يكون هناك “ثواب” في القبر أيضا؟ وهل من آيات قرآنية كريمة تؤيد فكرة “نعيم القبر”؟

ثم ما هو التوجيه اللغوي للآيات التي يذكرها مؤيدو “عذاب القبر”، ويقولون إن تفسيرها يدعم الفكرة. أوترى أن المبرر الوحيد وراءها هو ورود فكرة عذاب القبر في المرويات المنسوبة للنبي الكريم عليه السلام؟ ومن هنا تمحل أنصار تلك المرويات في الرأي، ولووا عنق الآيات الكريمة لتتفق وتلك المرويات؟

ثم كيف يفسر مؤيدو فكرة “عذاب القبر” الآيات التي ورد فيها ذكر لفظ القبر صراحة، ودلالات هذه الآيات – في رأيي – قاطعة على أن من في القبور لا يتمتعون بأي حس، دون أن يحيلونا من جديد إلى مروياتهم المأثورة؟

للمشاركة على :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

البحث

محمد العشيري

عملت محاضرًا في اللغة والثقافة العربية في جامعة برمنجهام البريطانية. درَستُ علم الأصوات اللغوية وعلم اللغة وتخصصت فيهما، ثم درَّستهما فيما بعد. وتشمل مجالات اهتمامي علوم اللغة العربية، والخطاب الإسلامي، واللغة في وسائل الإعلام. عملت أيضًا في جامعة وستمنستر في لندن، وجامعة عين شمس المصرية في القاهرة. وعملت مذيعا ومقدم ومعد برامج في هيئة الإذاعة البريطانية. من بين مؤلفاتي: “أصوات التلاوة في مصر: دراسة صوتية، و“عربية القرآن: مقدمة قصيرة”، و”كتاب الزينة في الكلمات الإسلامية والعربية لأبي حاتم الرازي: دراسة لغوية”. ونشرت مجموعة قصصية تحت عنوان “حرم المرحوم” وكتبا أخرى.