بي بي سي و”الهوية الفلسطينية”

بي بي سي والهوية الفلسطينية

مع مرور ذكرى وعد بلفور المشؤوم هذا الشهر، واحتفال الفلسطينيين بمرور اثني عشر عاما على رحيل زعيمهم ياسر عرفات بثت محطة بي بي سي الإنجليزية برنامجا وثائقيا عن الجنود الفلسطينيين في الجيش الإسرائيلي، أعدته وقدمته مذيعة بانوراما المعروفة جين كوربن.

وبغض النظر عن توقيت إذاعة البرنامج، فإن محتواه في أغلبه – في رأيي – دعاية مدبجة بشيء من الذكاء لإسرائيل ومستقبل الفلسطينيين فيها.

ولا أريد أن أفصل القول هنا في هذا المحتوى، بل أود أن أقف عند نقطة واحدة، وهي اللغة والتعبيرات التي يستخدمها في الإشارة إلى الفلسطينيين وإلى إسرائيل.

أول هذه التعبيرات هو (Israel’s Arab wariors – المحاربون الإسرائيليون العرب)، التي وردت في اسم البرنامج، والصيغة الأخرى التي استخدمت داخله (Israeli Arabs – عرب إسرائيل)، هما صيغتان يستخدمهما الخطاب الإسرائيلي في الإشارة إلى الفلسطينيين، إذ إنه يرفض الاعتراف بالهوية الفلسطينية.

وحتى يمحو الخطاب الإسرائيلي تلك الهوية، التي يسعى إلى طمسها، ينبغي أن يُحل مكانها هوية أخرى. واختار الخطاب الإسرائيلي تعبير (عرب). ونجح الخطاب الإسرائيلي بذلك في إيهام الفلسطينيين أنفسهم، والعرب، والدول الغربية، بأن هؤلاء الأفراد الذين منَّت عليهم إسرائيل ومنحتهم الجنسية، لا يمتون إلى الدولة، أو البلد بأي صلة، بل هم (عرب) دخلاء على البلد.

ولن يكون مستغربا أبدا – بعد هذا – أن يطالب الخطاب الإسرائيلي الدول العربية بإيواء أشقائهم هؤلاء الذين يعيشون في إسرائيل. وأن يرفض حق عودة من أجبروا منهم على النزوح من أرضهم.

ومع تكرار استخدام وسائل الإعلام الإسرائيلية لهذا التعبير المُغرض، أخذت وسائل الإعلام العربية في تقبله – بلا وعي – واستخدامه، حتى أصبح راكزا في الذهن العربي، بل حتى في الذهن الفلسطيني أيضا.

ومحطة بي بي سي الإنجليزية، ومذيعتها جين كوربن، لا تستحي من استخدام تعبيرات الخطاب الإسرائيلي، بل تكررها – في معظم الأحيان – دون مواربة، بالرغم من ادعاء الحيادية والموضوعية.

إذ لا يقتصر الأمر على هذا التعبير (Israeli Arabs) وحده، بل يتجاوزه إلى بؤر الاحتلال الإسرائيلية التي يسميها الخطاب الإسرائيلي (Settlements – مستوطنات) من قبيل التلطيف، إلى غير ذلك من تعبيرات لا مجال لها هنا.

ويصف البرنامج إسرائيل بأنها (Jewish state – الدولة اليهودية)، مكررا ما يردده الخطاب الصهيوني مرة أخرى.

  وتشير جين كوربن إلى حنين زعبي عضوة الكنيست بأنها “تعرف نفسها بأنها فلسطينية”(MP who identifies herself as Palestinian)، وكأنها تنكر عليها هويتها الفلسطينية.

وما يحزنني – حقيقة – هو وقوع الترجمة العربية للموضوع في أسر الموضوع الأصلي باللغة الإنجليزية، مكررة تعبيراته بحذافيرها.

أرجو أن يفيق إخوتنا الفلسطينيون ويدافعوا عن هويتهم، ليس برفض تعبير أو صيغة، ولكن بالإصرار على استخدام ما يعبر عن هويتهم الحقيقية، الهوية الفلسطينية، والجرأة في وصف بؤر الاحتلال الإسرائيلي بأنها بؤر احتلال إسرائيلي.

للمشاركة على :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

البحث

محمد العشيري

عملت محاضرًا في اللغة والثقافة العربية في جامعة برمنجهام البريطانية. درَستُ علم الأصوات اللغوية وعلم اللغة وتخصصت فيهما، ثم درَّستهما فيما بعد. وتشمل مجالات اهتمامي علوم اللغة العربية، والخطاب الإسلامي، واللغة في وسائل الإعلام. عملت أيضًا في جامعة وستمنستر في لندن، وجامعة عين شمس المصرية في القاهرة. وعملت مذيعا ومقدم ومعد برامج في هيئة الإذاعة البريطانية. من بين مؤلفاتي: “أصوات التلاوة في مصر: دراسة صوتية، و“عربية القرآن: مقدمة قصيرة”، و”كتاب الزينة في الكلمات الإسلامية والعربية لأبي حاتم الرازي: دراسة لغوية”. ونشرت مجموعة قصصية تحت عنوان “حرم المرحوم” وكتبا أخرى.