“الخنزير” ليس حراما

"الخنزير" ليس حراما

لفتني موقف مسلم من الصين تداولت المواقع الإخبارية اعتراضه على شركة (على بابا) للتجارة الإلكترونية لأنها غيرت اسم تطبيقها الخاص بالسفر، (علي تريب) إلى اسم آخر يعني “الخنزير الطائر” باللغة الصينية.

وقال هذا المسلم الذي يدعى عادل محمد تور، وينتمي إلى أقلية الويغور المسلمة: “بما أن علي تريب غيرت اسمها إلى الخنزير الطائر، فلا يسعني إلا أن أتوقف عن استخدام التطبيق وهو ما قد يفعله كل أصدقائي من المسلمين لأن كلمة “الخنزير” محرمة على المسلمين في أرجاء العالم كافة. إن (علي بابا) شركة عالمية، ألا يسعها أن تأخذ محرمات المسلمين بنظر الاعتبار؟”

فهم هذا المسلم الصيني للإسلام ومحرماته فهم خاطئ يشوبه كثير من الأوهام التي لاحظت أنها تشيع بين مسلمي منطقة آسيا وجنوب شرق آسيا، مثل باكستان، وأفغانستان، وبنجلاديش، والهند والصين، وماليزيا وإندونيسيا.

وتودي هذه الأوهام بأصحابها إلى مزالق من التشدد. ففي ماليزيا – مثلا – ثار المسلمون وهاجوا عندما استخدم المسيحيون في البلد لفظ ”الله“ في ترجمة للإنجيل إلى اللغة المالاوية. وقال المسلمون في المحكمة إن لفظ ”الله“ لفظ إسلامي، ولا يحق لغير المسلمين استخدامه.

بما أن علي تريب غيرت اسمها إلى الخنزير الطائر، فلا يسعني إلا أن أتوقف عن استخدام التطبيق وهو ما قد يفعله كل أصدقائي من المسلمين لأن كلمة “الخنزير” محرمة على المسلمينها 

ومن هذا الباب أيضا ما فعله بعض المسلمين الذين آل إليهم حقوق نشر ترجمة يوسف علي للقرآن الكريم إلى اللغة الإنجليزية. فقد استخدم يوسف علي لفظ (God) مقابل لفظ الجلالة في العربية. ولم يرض هؤلاء المسلمون بهذا الخيار، وغيروا كلمة (God) في الطبعات اللاحقة إلى كلمة (Allaah)، وكأن الأولى تشير إلى إله غير ما تشير إليه الثانية. ودون أن يدروا أن اللفظ العربي، له مقابل في كل لغة، كالإنجليزية، والفارسية، وهي جميعا تشير إلى الإله، بغض النظر عن التصور الإسلامي لهذا الإله، أو التصور المسيحي، أو اليهودي، أو البوذي. ومثل هذا المسلك من جانب المسلمين – من أسف – يدفع غيرهم، خاصة الغربيين، إلى تصور أن ”إله المسلمين مختلف، وأنه غير رحيم، و … و …“

وصاحبنا الصيني المسلم هو الآخر توهم أن استخدام حتى لفظ ”خنزير“ أمر محرم، وليس ”لحم الخنزير“.

وكيف يتوهم مسلم، إلا إذا كان ذا عقلية متشددة ضيقة الأفق، أن كلمة ”خنزير“ حرام استخدامها، والقرآن ذاته استخدامها في غير موضع؟ بل إن القرآن استخدم أيضا – إن لم يكن عادل محمد تور الصيني المسلم يعلم – كلمة ”الخمر“ و”الميسر“ و”الزنا“، و”الكفر“ … وغيرها.

ويبدو أن عادل تنبه إلى غلوه فاعتذر وتراجع. لكن ما لا يمكن أن يتراجع عنه هو ما سببه من تشويه صورة المسلمين الويغور، وتهجم الطوائف الأخرى عليهم.

غفر الله له.

للمشاركة على :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

البحث

محمد العشيري

عملت محاضرًا في اللغة والثقافة العربية في جامعة برمنجهام البريطانية. درَستُ علم الأصوات اللغوية وعلم اللغة وتخصصت فيهما، ثم درَّستهما فيما بعد. وتشمل مجالات اهتمامي علوم اللغة العربية، والخطاب الإسلامي، واللغة في وسائل الإعلام. عملت أيضًا في جامعة وستمنستر في لندن، وجامعة عين شمس المصرية في القاهرة. وعملت مذيعا ومقدم ومعد برامج في هيئة الإذاعة البريطانية. من بين مؤلفاتي: “أصوات التلاوة في مصر: دراسة صوتية، و“عربية القرآن: مقدمة قصيرة”، و”كتاب الزينة في الكلمات الإسلامية والعربية لأبي حاتم الرازي: دراسة لغوية”. ونشرت مجموعة قصصية تحت عنوان “حرم المرحوم” وكتبا أخرى.