قد يكون النسيان بالنسبة للإنسان نعمة في بعض الحالات، التي أذكر منها هنا مصيبة الموت عندما تفجعنا في أعزائنا، ثم تخف شدة الفاجعة يوما بعد يوم مع انكبابنا على مشاغلنا اليومية، وتضاؤل تركيزنا عليها، وتناسيها لكي تختبئ في صدورنا.
لكن النسيان – في رأيي – قد يكون نقمة، في حالات أكثر، في حياة بني البشر.
فالنسيان
حينما ينسى البشر أنهم بحاجة إلى الأكل وبحاجة إلى الشرب، وأنهم بحاجة إلى التبول وبحاجة إلى التغوط، فإنهم يحسبون أنفسهم فوق البشر، بل قد يتوهمون أنهم ليسوا في حاجة إلى بشر.
ووقتما ينسى ذوو المال، أو أصحاب الجاه، وأهل السلطان، أنهم يشاركون الفقراء، والمساكين، والمعدمين ومن لا يملكون سوى أجسادهم وعقولهم وقلوبهم، في حاجات الجسم الطبيعية إلى الغذاء والشراب، وقضاء الحاجة، والدواء إذا مرضوا، فإنهم يفترون، ويتباهون ويتيهون خيلاء، بما لا يمكنهم الإبقاء عليه أو التحكم في تملكه وقتما يشاؤون.
من نعم الحياة على الإنسان أن ينسى مصائبه،
لكن من نقمة الدنيا أن ينسى الإنسان أحيانا أنه ليس سوى إنسان.
وأنا زعيم بأن مراتب الإنسان في سُلم الإنسانية ترتقي علوا، ما دام على ذكر أنه فقط إنسان.