وداعا آخر الأمناء

دكتور منير سلطان آخر الأمناء

بالأمس توقف عطاء الدكتور منير سلطان أستاذ النقد والبلاغة بكلية البنات جامعة عين شمس. وكان منير سلطان من “الأمناء”، تلامذة الشيخ أمين الخولي، وهم زمرة تضم عائشة عبد الرحمن، وشكري عياد وفاروق خورشيد وصلاح عبد الصبور ومصطفى الجويني وغيرهم. وكان لمنير سلطان إسهامات كبيرة في ميدان الدرس البلاغي، خاصة البديع الذي أعاد له التقدير الذي فقده بعد دورانه على ألسنة المتصنعين من الكتاب، والفصل والوصل، وإعجاز القرآن. ودراساته عن البديع في شعر المتنبي وشعر شوقي وغيرهما متداولة بين أيدي الباحثين في الدرس البلاغي.

وكان منير سلطان باحثا متواضعا، وهذا ما يقوله في مقدمة كتابه عن الفصل والوصل في القرآن: “لم يكن لي منهج واضح، ولا طريق مدروس، ولا سمة علمية محددة. كنت موزعا بين البلاغة التقليدية التي تربيت في أحضانها، ودرستها في الجامعة، وبين البلاغة الحديثة التي أتوق إلى تطبيقها، وتحقيق ما تعلمته منها على يد البلاغي المجدد، شيخ الأمناء الجليل: الشيخ أمين الخولي، والفاضل الأستاذ العلامة الدكتور مصطفى الجويني، والفاضل الأديب الشاعر العالم الدكتور يوسف خليف، والحجة، سيوطي العصر الحديث، الأستاذ الدكتور شوقي ضيف.”

وكان إنسانا مرحا ذا نكتة حاضرة. عرفته في كلية البنات بجامعة عين شمس حيث كنت معيدا عندما عين الدكتور منير مدرسا للنقد والبلاغة بالكلية في عام ١٩٧٥. ولم يكن الدكتور منير من سكان القاهرة، بل ظل إسكندرانيا وفيا يكابد مشاق السفر حبا لمدينته الجميلة. ومازلت أذكر مساعدته لي على نشر كتابي الأول – الذي كان بحثا نلت به درجة الماجستير في علم اللغة – وكان دراسة لغوية لكتاب داعية الإسماعيلية في منطقة الري أبو حاتم أحمد بن حمدان الرازي (ت ٣٢٢ هـ)، “كتاب الزينة في الكلمات العربية والإسلامية”، وهو دليل أعده الرجل لدعاة المذهب يشرح فيه مفاهيم مصطلحات دينية وفقهية. وأحسن الدكتور منير رحمه الله استقبالي عند عودتي من البعثة في لندن وبعد تأخري حينا من الدهر وكان رئيسا لقسم اللغة العربية آنذاك.

قبل أكثر من أسبوعين دعتني زميلة عزيزة في القسم إلى الحضور إلى مصر والمشاركة في لقاء أكاديمي لتكريم الدكتور منير سلطان. وكان موعد اللقاء هو يومي ٣٠ و٣١ أكتوبر. لكن القدر كان قد ضرب معه موعدا قبل موعد التكريم. 

فوداعا دكتور منير، وإلى جوار رب كريم

للمشاركة على :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

البحث

محمد العشيري

عملت محاضرًا في اللغة والثقافة العربية في جامعة برمنجهام البريطانية. درَستُ علم الأصوات اللغوية وعلم اللغة وتخصصت فيهما، ثم درَّستهما فيما بعد. وتشمل مجالات اهتمامي علوم اللغة العربية، والخطاب الإسلامي، واللغة في وسائل الإعلام. عملت أيضًا في جامعة وستمنستر في لندن، وجامعة عين شمس المصرية في القاهرة. وعملت مذيعا ومقدم ومعد برامج في هيئة الإذاعة البريطانية. من بين مؤلفاتي: “أصوات التلاوة في مصر: دراسة صوتية، و“عربية القرآن: مقدمة قصيرة”، و”كتاب الزينة في الكلمات الإسلامية والعربية لأبي حاتم الرازي: دراسة لغوية”. ونشرت مجموعة قصصية تحت عنوان “حرم المرحوم” وكتبا أخرى.