في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين هبت احتجاجات وانتفاضات استمر لهيب بعضها ليصبح ثورات. وارتبطت تلك الثورات بألوان منها البرتقالي، والأخضر، والأزرق، والقرمزي، والأصفر.
وعاد اللون الأصفر، مرة أخرى إلى ساحات باريس مع احتجاجات ذوي “السترات الصفراء”. وارتبط اللون الأصفر بالاحتجاجات يوما بعد يوم ارتباطا أصاب بعض الحكومات بالهلع والرعب خشية انتقال عدوى الاصفرار إليها مصحوبة بالاحتجاجات.
وبلغ الهلع ببعضها مبلغا منعت معه “بيع السترات الصفراء”، بحسب ما ذكرته صحيفة الـ”جارديان” البريطانية في عدد الثلاثاء ١١ ديسمبر ٢٠١٨. ويتواكب هذا القرار الدال، إن صح، مع زحف شهر يناير حثيثا وذكرى ثورات الشباب العربي الذين انتفضوا من أجل “الحرية، والكرامة والعيش الكريم”.
فهل يكبح حجب “السترات الصفراء” فورة المظلومين المحرومين ممن يعانون القهر والظلم والكبت؟
لا أحسب أنه ذو جدوى، وإن كبحها حينا، فلا يمكن أن يكبتها إلى الأبد.
وعلى هامش “السترات الصفراء”، يفرض هذا اللون – دون غيره من الألوان – بريقه. فهو علميا أكثر الألوان اجتذابا للعين البشرية حتى أكثر من اللون الأحمر. وربما كان هذا هو السبب الذي من أجله تبنى أصحاب الأعمال والعمال والمعمار، ومنظمي حركة المرور اللون الأصفر للفت الانتباه والتوقف.
وهو في الثقافة العربية لون الشحوب ودليل المرض. وهو في الورود والزهور جذاب وجميل. ويرى فيه بعضنا دليلا على الغيرة، وهي إن طغت قد تصبح مرضا شديد الوبال.
وهو يستخدم أيضا – في ثقافتنا العربية للإشارة إلى الجنون وفقدان العقل. فنحن في مصر نسمي مستشفى الأمراض العقلية في اللغة العامية “السراية الصفراء”. وقد قرأت شيئا يماثل هذا الاستخدام في اللغة الروسية أيضا.
ثم لي كلمة أخيرة في آذان مذيعينا وصحفيينا، الذين تبلبلت آراؤهم في صيغة اللون الأصفر المصاحبة “للسترات”. فتبنى بعضهم “السترات الصفراء”، بينما آثر بعض آخر “السترات الصُفر”.
ولهم أقول إن وصف “السترات” – وهي تدل على غير العاقل، مثل سيارات ومقالات – هو وصف مفرد مؤنث، أي “صفراء”، فنقول “سترات صفراء”، و”سيارات باهظة”، و”مقالات مفيدة”.
(كتبت هذه المقالة في ١١ ديسمبر ٢٠١٨)