قضية ليست بذات شأن شغلت، وربما لما تزل تشغل، اهتمام بعض المسلمين في مصر خلال صيامهم في رمضان. القضية هي مسألة “شطاف” المرحاض الذي يستخدم في الاستنجاء.
واحتار مسلمون بسطاء، في أعقاب فتوى أزهري غِر في مقطع ڤيديو بأن استخدام “الشطاف” يفسد الصيام. فلجأوا إلى دار الإفتاء من أجل تحري الحقيقة وحفظ صيامهم. وكان لابد للدار أن ترد من باب تحملها لمسؤوليتها.
لكن رد الدار أدهشني.
فلم تخاطب الناس على قدر عقولهم، بل التزمت النهج الفقهي التقليدي المعهود المتسم بعرض الآراء، وبلبلة الأفكار، وانتهت إلى أنه “لا يفسد الصيام”.
وكان أجدر بدار الإفتاء أن تحسم المسألة بقول قاطع.
والقول القاطع في رأيي هو فهم “طبيعة” الأكل والشرب، وطريقة تناولهما كل يوم، قبل رمضان وفي رمضان وبعد رمضان.
فهل رأى ذاك الشيخ الأزهري الغر، أو دار الإفتاء الموقرة، بشرا يأكل أو يشرب من دبره، فيشعر بلذة التذوق، ويشبع شهوة الأكل والشرب معا؟
وكيف يفسد صوم من يداوي عينه بقطرة، أو أنفه ببخاخ، أو إمساكه بحقنة شرجية، أو يتطهر بالاستنجاء بالماء وإن كان بـ”شطاف”؟ وهل تلك أطعمة أو أشربة نشتهيها، أو نتناولها من المنافذ المعتادة للطعام والشراب؟
ولماذا يلجأ شيوخنا إلى هذا التنطع والتشدد القبيح، وقرآننا الكريم السمح يقول في غير موضع، وفي سياق آيات الصوم ذاتها “يريد الله بكم اليسر، ولا يريد بكم العسر” (البقرة: ١٨٥)؟
ثم يبقى سؤال مهم:
لماذا يثير أناس مثل تلك المسائل التافهة؟ هل يفعلون ذلك سعيا إلى شهرة؟ أو لإلهاء الناس؟
إن حال أمتنا حال يبعث على اليأس، فبينما يفكر أناس لدينا في “شطاف المرحاض”، هناك آخرون، من بينهم أطفال وصبية يخرجون في دول أوروبية بصحبة والديهم، منادين بالحفاظ على كوكب الأرض من الاحتباس الحراري.
(كتبت هذه المقالة في ٢٠ مايو ٢٠١٩)