في الثلث الأول من مارس ٢٠٢٠ مررت بتجربة صحية صادمة.
فوسط هذا القصف الإعلامي المتواتر بشأن ڤيروس كورونا، أصبت بنوبة أنفلونزا شديدة. ارتفعت معها درجة حرارتي، وهاجمني وجع في عظامي حرمني من متعة النوم. وساورني وهم أن تكون تلك أعراض الڤيروس اللعين، لكني طردت الوهم واستبعدت الاحتمال، لأن أحد الشروط مفقود لدي، وهو الكحة.
لكن بالأمس، وبعد أن استيقظت قرب الفجر لأقضي حاجة عرضت، انتابتني حالة غثيان شديدة، ثم أحسست بدوخة تسري في جسدي. ولم أنزعج لوهلة من الحالة، لأني اعتدت عليها فترة من الزمن بسبب التهاب يصيبني من وقت لآخر في الأذن الوسطى.
بيد أن ما صدمني هو شعوري بأني أفقد قواي شيئا فشيئا، فلم أعد أستطيع رفع يدي لأتناول ورق الحمام، ولم أملك رفع إصبعي للضغط على ”مفتاح الضوء“. وكل ما تمنيته هو أن ألقي بنفسي على سجادة الحمام الصغيرة، إذ لم يعد في طاقتي عمل أي شيء، إلا أن أرتمي على الأرض.
وظننت أنني أودع العالم، أو أني سأدخل في غيبوبة لا يعلم إلا الله تعالى متى أفيق منها.
ولكني خشيت أن يكون منظري وأنا ملقى هكذا على الأرض، صادما لزوجتي عندما تصحو. ومرت بمخيلتي صور من الصين ومن إيران رأيت فيها أناسا كانوا يمشون، ثم سقطوا فجأة أرضا، وظلوا هكذا حتى تنبه المارة إليهم.
في لحظات معدودة قاومت وقاومت وقاومت حتى قمت وبسرعة البرق ألقيت بجسدي على أريكة تقع في غرفة صغيرة قبالة الحمام مباشرة. وناديت على زوجتي بما كان لدي من نفس واهن وبصوت خافت، حتى تأتي.
وهبت زوجتي من نومها، بالرغم من مرضها، وجاءتني مذعورة، فرأت وجهي شاحبا، لكني بدأت أستعيد حمرة الحياة، ربما لوجودها إلى جانبي، خلال دقائق، كما أبلغتني. واستطعت أن أقوم من اضطجاعي وأجلس، حامدا ربي على استعادة قواي.
وتعلمت من تلك اللحظات الكثير: نحن البشر لا نملك من أمرنا شيئا، وما بين الصحة والمرض ليس سوى مقدار شعرة.
ثم إنني فهمت أكثر من ذي قبل معنى التعبير اللغوي الذي نقرأه في القصص، ألا وهو أن فلان “خارت قواه”. فقد أحسست أمس بأن قواي تسلب مني شيئا فشيئا، وبأن عضلاتي وعظامي أصبحت هواء. وهذا معنى لا يمكن أن ينمحي من ذاكرتي.