أين نكتب تنوين النكرة المنصوبة؟

تنوين النكرة المنصوبة
دار نقاش في أحد أركان غرفة الأخبار في شبكة إعلامية عن “التنوين” في الكلمة العربية، خاصة المنصوب منها، وأين يقع بالضبط؟
فعندما نقول، مثلا: قرأت كتابا، فهل نكتب التنوين على الباء فنكتب:
– (كتابًا) هكذا، أو نكتبها
– (كتاباً) هكذا؟
وقال أحد المتحدثين إن هناك مدرستين في كتابة التنوين في مثل هذه الحال.
المدرسة الأولى هي المدرسة الشامية أو السورية، ويرى أصحابها أن التنوين يجب كتابته، باعتبار أن جزءا منه علامة إعراب، على آخر الكلمة، أي على الألف، هكذا (كتاباً).
أما المدرسة الثانية، فهي المصرية، ويرى أتباعها أن التنوين يكتب على الحرف الأخير من الكلمة، وهو الحرف السابق على الألف، هكذا (كتابًا).
وقد لاحظت خلال تصفحي للمصحف الشريف المطبوع في مجمع الملك فهد في السعودية تبني وجهة النظر الثانية، وهي كتابة التنوين على الحرف السابق للألف.
لكن المصحف المغربي يتبنى، كتابة التنوين في تلك الحالة المذكورة على الألف.
لكن هل هناك فعلا مدرستان في تلك المسألة؟
لست أعتقد ذلك. بل أحسب أن هناك قولا واحدا وهو وجوب كتابة التنوين على الحرف الأصلي الأخير من الكلمة المعربة.
ومعنى هذا الكلام أن الألف ليست حرفا أصليا من حروف الكلمة، بل هي حرف إضافي جيء به لسبب سنبينه لاحقا. فحروف كلمة (كتاب) الأصلية هي (ك، ت، ا، ب). والباء هي الحرف الأخير الذي تقع عليه علامات الإعراب، سواء أكانت الكلمة نكرة أو معرفة. فنقول: (كتابُ المؤلف، كتابِ المؤلف، كتابَ المؤلف)، و(كتابٌ، كتابٍ، كتابً)، بحسب أصل الكلام.
ولست أعتقد أن ثمة من يرى رأيا آخر مخالفا في موقع كتابة التنوين في حالتي الرفع والجر في كلمة (كتاب). ولكن تبقى مسألة الألف التي ألحقت بالكلمة في حالة النصب. فما هي هذه الألف؟
ما هي الألف؟
لهذه القضية جانبان: خطي وصوتي. أما الخطي فهو كتابة التنوين على الحرف الأصلي الأخير من الكلمة العربية في جميع أحوالها الإعرابية: الرفع، والجر، والنصب. كما أسلفنا. وهذا هو الموقع الذي توضع فيه علامة الإعراب سواء أكانت الكلمة المفردة نكرة أم معرفة.
أما الجانب الصوتي للقضية، فيتمثل في كيفية نطق الكلمة العربية النكرة عند الوقف عليها. وهنا يواجه الناطق بالعربية معضلة عليه أن يتخلص منها. وأحد عنصري هذه المعضلة هو:
– أن التنوين في حد ذاته مكون من حركة قصيرة تتبعها نون ساكنة. مثال ذلك: كتابُ+نْ، كتابِ+نْ، كتابَ+نْ. ويعني هذا أن التنوين ينتهي بسكون.
– أما العنصر الثاني فهو حالة الوقف ذاته. إذ إن الوقف في العربية يقتضي السكون. أي أن الكلمات العربية المحركة تفقد حركاتها القصيرة، ونتخلص أيضا من “نون” التنوين، ونلزم في نطقها التسكين. فنقول عند الوقف: هذا كتابْ#، وقرأت في كتابْ#، والمفروض أيضا أن نقول في الحالة الثالثة، وهي النصب، قرأت كتابْ#.
لكن هذا لا يحدث في العربية. إذ تنفرد حالة النصب في الكلمة النكرة عند الوقف بوضع خاص، ألا وهو الإبقاء على الفتحة القصيرة في آخرها، فنقول: قرأت كتابَ.
ويرجع هذا الانفراد في حالة النصب إلى ما يعرف في علم الأصوات العربية بخفة أصوات، وثقل أخرى. فالضمة والكسرة لدى العربي صوتان ثقيلان، ربما لأن نطق الأولى، وهي الضمة، يصحبه استدارة الشفتين، وارتفاع في مؤخرة اللسان، وقد يمثل هذا ثقلا في نطق الصوت. وكذلك نطق الثانية، وهي الكسرة، يصحبه ارتفاع في وسط اللسان وضيق في مخرج الهواء بينه وبين سقف الحنك. وفي هذا أيضا ثقل في النطق.
أما الفتحة، فهي صوت “خفيف” ، لأن مجرى الهواء في الحنك مفتوح وليس هناك أي ارتفاع في أي جزء من اللسان، كما أن وضع الشفتين محايد. ونظرا لهذه الخفة في نطق صوت “الفتحة” أبقي عليها عند الوقف، دون الضمة أو الكسرة.
وما هذه الفتحة إلا حركة قصيرة، وهي بعض “الألف”، أي الحركة الطويلة. وقد اعتاد العرب في الشعر خاصة، وفي قراءة القرآن الكريم أحيانا، تطويل هذه الحركة القصيرة إلى نظيرتها الطويلة، أو إشباعها، أو إطلاقها، بحسب مصطلحات علماء العربية.
وهنا يتبادر إلى الذهن سؤال مهم، وهو: أين ذهبت نون التنوين، عند الوقف؟
لقد فقد التنوين هنا، ولذلك يقول بعض علماء العربية إن مسوغ وجود “ألف” الإشباع، أو الإطلاق، هنا هو أنها جاءت عوضا عن التنوين.
ونخلص مما سبق إلى أن كتابة التنوين خطا في الكلمات المنصوبة على الألف، التي هي “عوض” عن التنوين، نطقا، فيه خطأ وتناقض كبيران. أما مكانها الصحيح، فهو على الحرف الأصلي الأخير في الكلمة، مثلها في ذلك مثل الكلمات المرفوعة أو المجرورة، وهو الحرف الذي يسبق “ألف” الإشباع أو الإطلاق، أو العوض.

للمشاركة على :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

البحث

محمد العشيري

عملت محاضرًا في اللغة والثقافة العربية في جامعة برمنجهام البريطانية. درَستُ علم الأصوات اللغوية وعلم اللغة وتخصصت فيهما، ثم درَّستهما فيما بعد. وتشمل مجالات اهتمامي علوم اللغة العربية، والخطاب الإسلامي، واللغة في وسائل الإعلام. عملت أيضًا في جامعة وستمنستر في لندن، وجامعة عين شمس المصرية في القاهرة. وعملت مذيعا ومقدم ومعد برامج في هيئة الإذاعة البريطانية. من بين مؤلفاتي: “أصوات التلاوة في مصر: دراسة صوتية، و“عربية القرآن: مقدمة قصيرة”، و”كتاب الزينة في الكلمات الإسلامية والعربية لأبي حاتم الرازي: دراسة لغوية”. ونشرت مجموعة قصصية تحت عنوان “حرم المرحوم” وكتبا أخرى.