حكاية كلمة: الشارقة

حكاية كلمة الشارقة

للكلمات في اللغات تواريخ وحكايات تماثل حكايات البشر وتواريخهم. وكم يمتعني العيش أحايين بين تلك الحكايات، واليوم سأقص عليكم قسطا من حكاية كلمة، هي “الشارقة”.

والشارقة إمارة معروفة بسمتها العربي الإسلامي، وحب حاكمها وتشجيعه للثقافة العربية والإسلامية.

وتاريخ كلمتنا توجزه كلمتان: كلمة عربية هي “الشارقة”، وأخرى إنجليزية هي “Sharjah”. فكيف أضحت “الشارقة” – التي كان ينبغي أن يكون مقابلها في الإنجليزية هو (Sharqah)، من (Sharqah) إلى (Sharjah

يرجع أصل الحكاية إلى صوت “القاف” في العربية، وهو أحد الأصوات التي تتسم مسيرة حياتها بالقلق وعدم الاستقرار. وأنا أقصد بذلك تغيره من حال إلى حال، ومن صورة إلى صورة عبر الزمن، مثله في ذلك مثل “الجيم”.

ولما كانت “القاف” صوتا غير مستقر، فقد كان عرضة للتغير، ولذلك نجده في لهجة يلبس ثوب “الهمزة”، كما هو حاله في اللهجة المصرية، ونجده في أخرى يلبس ثوب “الجيم” الموجودة في كلمة “Gilgamesh“، أو ما يسميه بعضنا، عن غير دراية بالجيم القاهرية، (وأفضل أن أسميه أنا بالجيم السامية، أي الصوت الذي عرفته اللغات السامية)، كما هو الحال في لهجات عربية كثيرة، منها لهجات خليجية.

وهكذا، كبرت كلمتنا “الشارقة” وأينعت وبدا على قسماتها ملمح الشباب، فأضحت على ألسنة بنيها “الشارجة، بالجيم السامية، أي Shargah“.

وهكذا أخذت تتداولها الألسن، حيناً بعد حين.

ولكن الناس، أو الناطقين باللغة لا يتعاملون مع الكلام بالأذن فقط، بل يتعاملون معه بالعيون أيضاً وتؤثر فيهم صورة الأصوات ورموزها المكتوبة، أي الحروف.

ومن يرى “الشارجة”، بعينه فقط، في صورتها المكتوبة، فقد ينطقها “Shargah“، أو “Sharjah“، خاصة لمن ليس في أبجديته حرف يمثل صوت “g”، كأهل الخليج الذين يرمز حرف “الجيم” لديهم لصوت واحد فقط هو صوت “j”، أو “dj”.

ومن ثم كان للعين، دور في حكاية “الشارقة” وتاريخها، فتغيرت قسماتها وملامحها من جديد، فلم تعد كسابق عهدها “الشارقة، Sharqah“، كما لم تظل تنعم في لباس “الشارجة، Shargah“، بل خلعت ثوب “القاف” و “الجيم السامية” لتتشح بوشاح “الجيم الخليجية، j” فتصبح “الشارجة، أي Sharjah” نطقا وكتابة.

وفي هذا التاريخ دروس وعبر، لعل أهمها، عدم استقرار صوت “القاف” وتغير حاله، وتحوله، في مرحلة من المراحل إلى “جيم” سامية، أي “g”، خاصة لمن تنطق في لهجتهم “الجيم” جيما خليجية، أي j.

لكن صوت “الجيم” ذاته الذي لبس “القاف” ثيابه، صوت قلق هو الآخر، يعتوره التغير والتبدل، ومن هنا كانت المرحلة الأخيرة، في حياة كلمتنا، وهي مرحلة صوت “j”، التي أدت طريقة كتابة الكلمة فيها، وتعاملنا بالعين مع اللغة وكلماتها، وليس بالأذن، إلى ظهور صيغتها الحالية. وقد دفعت تلك الصيغة أهالي الإمارة أنفسهم إلى كتابتها بالإنجليزية “Sharjah“، وإن أبقوا الصيغة العربية للكلمة، “الشارقة”، دليلا على التاريخ الطويل القابع ما بين الصيغة العربية والصيغة الإنجليزية للكلمة

للمشاركة على :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

البحث

محمد العشيري

عملت محاضرًا في اللغة والثقافة العربية في جامعة برمنجهام البريطانية. درَستُ علم الأصوات اللغوية وعلم اللغة وتخصصت فيهما، ثم درَّستهما فيما بعد. وتشمل مجالات اهتمامي علوم اللغة العربية، والخطاب الإسلامي، واللغة في وسائل الإعلام. عملت أيضًا في جامعة وستمنستر في لندن، وجامعة عين شمس المصرية في القاهرة. وعملت مذيعا ومقدم ومعد برامج في هيئة الإذاعة البريطانية. من بين مؤلفاتي: “أصوات التلاوة في مصر: دراسة صوتية، و“عربية القرآن: مقدمة قصيرة”، و”كتاب الزينة في الكلمات الإسلامية والعربية لأبي حاتم الرازي: دراسة لغوية”. ونشرت مجموعة قصصية تحت عنوان “حرم المرحوم” وكتبا أخرى.