حياتي مع الكمبيوتر

حياتي مع الكمپيوتر

بدأت معرفتي بالكمپيوتر في مصر خلال إعدادي لبحث كنت قد رغبت في تسجيله لدرجة الدكتوراه في جامعة عين شمس بالقاهرة يتناول المعجم اللغوي للشاعر زهير بن أبي سلمى. لكن تلك المعرفة لم تكن عن قرب، بل عن طريق وسيط. كانت معرفة المنبهر بآلة جديدة لا يُسمح له بالاقتراب منها لأنها لم تكن في حوزته ولم تكن آنذاك في حوزة أي مستخدم عادي، بل كانت في مراكز الأبحاث ومعاهد الإحصاء. وإذا أردت استخدامها عليك اللجوء إلى وسيط تشرح له ما تبغي ويفكر هو أو هي نيابة عنك فيه بالطريقة التي تفهمها تلك الآلة الضخمة التي كانت وقتها تحتل غرفا وقاعات واسعة.

لكن علاقتي بهذه الآلة المبهرة تحسنت بعد سفري إلى بريطانيا للدراسة. فقد شاء الله تعالى أن أبتعث لدراسة الدكتوراه في جامعة لندن. وهناك أخذت اقترب على مهل من محراب تلك الآلة.

بدأت الحكاية في عام ١٩٨٤. في ذلك العام بدأت الشركات أول إنتاجها من الكمپيوتر الشخصي أو ما أصبح يعرف الآن بپي سي، وكان الكمپيوتر سنكلير من أوائل الأجهزة الشخصية التي كانت تباع للأفراد. في تلك الآونة كنت قد قرأت إعلانا في جريدة “الشرق الأوسط” التي تصدر في لندن عن تعريب هذا الكمپيوتر الشخصي الصغير “سنكلير”. وبعدها عاودتني الأحلام التي كنت قد تركتها ورائي في القاهرة بشأن “معجم زهير بن أبي سلمى” وامتلأ رأسي بآمال كبيرة للمضي قدما في الدراسة بالاستعانة بالكمپيوتر الذي أصبح قريبا بل أصبح شخصيا ولم بيني وبينه حجاب.

في تلك الفترة أيضا تصادف أنني استمعت إلى برنامج “مع الأسر العربية” الذي كانت تقدمه عفاف جلال وكانت تبثه هيئة الإذاعة البريطانية. كان ضيف البرنامج مهندس متخصص في الكمپيوتر هو الدكتور سامي زهران. ولفتني حديث الدكتور سامي عن الكمپيوتر فسارعت بالاتصال بإذاعة لندن وتحدثت مع مقدمة البرنامج وطلبت منها – وفي جرأة لم أكن أعهدها في نفسي – رقم الدكتور سامي للحديث معه. ولم تبخل علي السيدة عفاف جلال بالرقم. وتحدثت مع الدكتور سامي وشرحت له حاجتي لشراء كمپيوتر لاستخدامه في دراستي، واتفقنا أن نتقابل في معرض للكمپيوتر الشخصي كان قد مقررا افتتاحه. في المعرض أذهلني العدد الكبير من الأطفال الذين حضروا للتعرف على هذا الجهاز الجديد لم يمنعهم خوف ولم يحل بينهم وبينه انبهار. رأيتهم مقدمين على الأجهزة المعروضة يستكشفونها، بل يلاعبونها وكأن بينهم صداقة قديمة.

وبعد المعرض اشتريت كمپيوترا شخصيا. كان طموحي كبيرا فلم أقنع بجهاز “سنكلير” الصغير المحدود القدرة، بل آثرت عليه – وإن لم أكن أملك وقتها المال الكافي واضطررت للاستدانة من البنك – جهاز آي بي إم الذي كان مهندس مصري قد نجح في تعريبه. وعند تسلمي للجهاز سألت المهندس “هل يمكن أن يساعدني أحد من الشركة في فهم واستخدام هذا الجهاز الجديد؟” فقال “نعم، لكن سعر ساعة التدريب ١٠٠ مئة جنيه استرليني”. كانت تلك الإجابة ضربة قاصمة لي فلم يعد في جيبي شيء بعد أن استدنت ثلاثة آلاف جنيه استرليني لشراء الكمپيوتر، وما كنت أستطيع الوفاء حتى ولو بسعر ساعة لتعلم تشغيل تلك الآلة الجهنمية وقد أصبحت في بيتي.

وهكذا بدأت رحلتي الحقيقية للتعرف على الكمپيوتر عن قرب وعلى مهل.

سهرت ليالي طوالا وقرأت الكثير حتى زالت الرهبة وحلت محلها الرغبة في المعرفة وأنا لم أكن أملك وقتها إلا القدرة على التعلم. وأدركت فيما بعد – كما كتبت في واحدة من المقالات التالية – أن الكمپيوتر ليس سوى آلة حمقاء ميزتها السرعة في اتباع الأوامر. وكان ما يميز رحلتي مع تلك الآلة الحمقاء القدرة التي أكسبتني إياها مهنتي كمعلم، وهي سهولة عرضي للمعلومة التي عرفتها دون استعمال المصطلحات التي لا يستطيع كثير من المختصين في مجال الكمپيوتر الفكاك من أسرها في دروسهم أو كتاباتهم. هذه القدرة هي التي دفعت أسرة التحرير في مجلة “هنا لندن” التي كانت تصدرها هيئة الإذاعة البريطانية إلى طلبهم مني كتابة عدد من المقالات قدمت فيها الكمپيوتر وبرامجه المعروفة للقارئ العادي. وكان ذلك الصيت عني هو أيضا الذي حدا برئيس تحرير مجلة “طيران الخليج” إلى طلب مشاركتي بالكتابة عن الجديد في مجال تكنولوجيا المعلومات.

وكتبت عددا من المقالات عن الكمپيوتر نشر بعضها في “هنا لندن” و “طيران الخليج”. ووضعت شيئا منها هنا وأتمنى أن يجد فيها القارئ، وفي المقالات الأخرى، نفعا ومتعة.

للمشاركة على :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

البحث

محمد العشيري

عملت محاضرًا في اللغة والثقافة العربية في جامعة برمنجهام البريطانية. درَستُ علم الأصوات اللغوية وعلم اللغة وتخصصت فيهما، ثم درَّستهما فيما بعد. وتشمل مجالات اهتمامي علوم اللغة العربية، والخطاب الإسلامي، واللغة في وسائل الإعلام. عملت أيضًا في جامعة وستمنستر في لندن، وجامعة عين شمس المصرية في القاهرة. وعملت مذيعا ومقدم ومعد برامج في هيئة الإذاعة البريطانية. من بين مؤلفاتي: “أصوات التلاوة في مصر: دراسة صوتية، و“عربية القرآن: مقدمة قصيرة”، و”كتاب الزينة في الكلمات الإسلامية والعربية لأبي حاتم الرازي: دراسة لغوية”. ونشرت مجموعة قصصية تحت عنوان “حرم المرحوم” وكتبا أخرى.