٢ رمضان ١٤٤٢-أبريل ٢٠٢١
الحوار السردي
وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ ﴿8﴾ البقرة
سنبدأ مع سورة البقرة من الآية الثامنة.
فماذا نجد في تلك الآية وما يليها؟
سنجد نوعا خاصا من الحوار أسميه أنا الحوار السردي، وهو حوار مروي سردا بطريقة غير مباشرة في سياق الآيات.
ولا يظهر أطراف الحوار في المناظر المصورة له، كما يحدث في بعض القصص القرآني، بل يظلون غائبين عن مسرح السرد.
وتروي الآيات عنهم ما يقولونه بأمانة. ثم تتبع أقوالهم برد القرآن عليها. وهو رد غالبا ما يكشف لنا، نحن قراء السورة، المزيد عن الملامح الشخصية لأطراف الحوار.
وتلك الملامح جميعا ملامح نفسية تتعلق بجوهر شخصياتهم، وليست ملامح جسدية.
وفي أوائل سورة البقرة من الآية الثامنة وحتى الآية الخامسة عشرة، نموذج لهذا النوع من الحوار.
وفي الحوار في تلك الآيات أربعة مناظر.
في المنظر الأول تروي السورة قول هؤلاء ”آمنا بالله وباليوم الآخر“، وهي ترويه كما يقولونه بأمانة. لكن السورة تدحض قولهم بعد أن نقلت قولهم كما هو، وتقول ”ما هم بمؤمنين“. وتفسر ذلك بكشف خلة من خلالهم، ألا وهي أنهم مخادعون يحسبون أنهم يخدعون الله ويخدعون المؤمنين، والحقيقة أنهم يخدعون أنفسهم ولكنهم لا يشعرون بذلك. ونفوس هؤلاء مريضة بمرض الكذب.
أما المنظر الثاني فتروي السورة فيه نصح القرآن لهم ”لا تفسدوا في الأرض“، ثم ردهم ”نحن مصلحون“. وهم هنا مازالوا يمارسون لعبة الكذب والخداع، فيدعون أنهم مصلحون. فيُرَدُ عليهم بأنهم ”هم المفسدون“ ولكنهم لا يدركون ذلك لما في نفوسهم من مرض.
أما في المنظر الثالث فيظهر استكبارهم وتعاليهم على الناس عندما تروي السورة كيف أنهم حينما طُلب منهم ”آمنوا كما آمن الناس“، استعلوا وسخروا مستهزئين بالآخرين في استنكار ”أنؤمن كما آمن السفهاء“. وهنا ترد السورة عليهم الصاع صاعين ”ألا إنهم هم السفهاء“، والطامة الكبرى أنهم يجهلون ذلك لتكبرهم.
والمناظر الثلاث جميعا تؤكد ضعفَ نفوس هؤلاء، وتوفرَ سمات النفاق لديهم. وهذا ما يشدد عليه المنظر الرابع الذين يحكي عن تصرفاتهم أمام المؤمنين من الناس، عندما يتظاهرون بالإيمان كذبا، لأنهم ضعفاء ولا يستطيعون المجاهرة بعدم إيمانهم. ثم يرينا سلوكهم عندما يجمعهم مكان سري بعيدا عن أعين الناس بكبرائهم، يدافعون عن أنفسهم وعما بدر منهم أمام المؤمنين من الناس، خشية أن يستفز فعلهم كبراءهم، فيقولون ”إنا معكم، إنما نحن مستهزئون“.
استمعوا وتأملوا معي كيف تحدث القرآن عن تلك الطائفة من الناس. وكيف تروي السورة أقوالهم، تقول الآيات:
وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ ﴿8﴾ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ﴿9﴾ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ﴿10﴾ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ ﴿11﴾ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَٰكِنْ لَا يَشْعُرُونَ ﴿12﴾ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ ۗ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَٰكِنْ لَا يَعْلَمُونَ ﴿13﴾ وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ ﴿14﴾ اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴿15﴾
ولكن ما الدروس المستفادة من في هذا الحوار في الآيات السابقة؟
هناك درسان مهمان:
- أن نكون أمناء عندما نروي عن شخص ما فنضع قوله كما يقوله هو
- أن نرد عليه بأسلوب مؤدب لائق
مرتبط
اكتشاف المزيد من أَسْرُ الْكلام
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.