يواجه المترجمون في المواقع الإخبارية أحيانا نصوصا مكتوبة بلغة مشحونة أيديولوجيا.
ولكن ماذا أقصد باللغة المشحونة أيديولوجيا؟
لست أظن أن هناك كاتبا أو صحفيا يستطيع الكتابة بلغة لا تشي بشيء من توجهاته السياسية، أو العقدية، أو الأيديولوجية. وهذا في رأيي أمر مقبول إلى حد ما.
لكن ما ينبغي لنا أن ننتبه إليه، بل نحذر منه، هو أن تكون الكلمات ظاهرها برئيا لكن دلالاتها داخل السياق اللغوي تحمل رسالة محددة، يريد الكاتب توصيلها بطريقة غير ملحوظة. وهذا ما أسميه كلمات ”مشحونة“.
وهاكم بعض الأمثلة:
”اغتيال“ أو ”موت“ أو ”قتل“
إن اغتيل أحد الشخصيات المهمة في دولة أو منظمة أو جبهة ما، وكان ثمة موقع إخباري ما يتخذ موقفا أيديولوجيا تجاهها، فإن صحفييه قد يحاولون تجاهل الخبر. فإن لم يستطيعوا فإنهم على الأغلب سيلجأون في صياغة الخبر إما إلى الفعل ”توفي“، وإما إلى الفعل ”قُتل“ في العنوان وفي المتن أيضا.
وهذا موقف أيديولوجي، يصبح فيه الفعل ”توفي“، أو الفعل ”قُتل“ كلمة ”مشحونة“ يجب الانتباه إليها، خاصة إن كان الخبر قد كتب بلغة أجنبية نترجم عنها.
”أسلحة ردع“ أو ”أسلحة دمار شامل“
أما المثال الصارخ على الكلمات المشحونة أيديولوجيا فهو الأسلحة المدمرة بأنواعها المختلفة: الكيمياوية، والبيولوجية، والنووية.
فهذه الأسلحة عندما تمتلكها قوى غربية لا توصف إلا بأنها ”أسلحة ردع“.
أما إذا حاولت دولة أخرى غير غربية، ولا تتمتع بقوة سياسية مهيمنة أن تمتلكها، فهي عندئذ ”أسلحة دمار شامل“، بالرغم من أن الأسلحة هي الأسلحة.
وهذا أيضا موقف أيديولوجي، توظف اللغة فيه، لخدمة هدف سياسي بعينه. والكلمات هنا أيضا كلمات ”مشحونة“.
هوية حنين زعبي
ومن الأمثلة التي قرأتها في بعض المواقع الإخبارية، هذا المثال الذي يتحدث عن السياسية الفلسطينية حنين زعبي عضوة الكنيست.
ويصف الموقع حنين زعبي على صفحته الإنجليزية بأنها:
“… an Israeli Arab MP who identifies herself as Palestinian …”
وفي هذا الوصف تعبيران مقصودان لأنهما يحملان موقفا أيديولوجيا بيّنا. أولهما ”israeli Arab“، وهو يرمي إلى محو هوية حنين زعبي الفلسطينية. أما الثاني فهو ”who identifies herself“. وهنا يسعى الصحفي إلى نفي تلك الهوية، بل يجاهر بعدم إقراره بها لحنين زعبي.
وقد سقط في هذا الفخ الأيديولوجي بكلماته المشحونة صحفيون عرب ترجموا الموضوع. فماذا قالوا:
”حنين زعبي، نائبة عربية في البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) وتُعرِّف نفسها على أنها فلسطينية“.
وكان الأولى أن يقول المترجم ”حنين زعبي نائبة فلسطينية في البرلمان الإسرائيلي (الكنيست)“.
وهو إن فعل ذلك فلن يخالف الحقيقة، ولا القانون الدولي، فحنين زعبي فلسطينية، ومن يشكك في ذلك أو يصفها بغير ذلك يتبنى موقفا أيديولوجيا.
ولكن الصحفي العربي في تلك الحالة، ولا أستبعد حتى أن يكون فلسطينيا، آثر الأمانة في الترجمة، وهي هنا أمانة عمياء، إما مدفوعا بالموقف الأيديولوجي للشبكة الإخبارية التي يعمل بها، وإما لأنه ليس حصيفا ولم ينتبه إلى الموقف الأيديولوجي وراء الكلمات.
وقد يجد الصحفي نفسه يصارع نصا أجنبيا، فلا يدري هل يلتزم الأمانة في الترجمة، أو يلتزم الحقيقة التي يؤيدها القانون الدولي. ونصيحتي له في هذا الصراع أن يكون حذرا حتى لا يتبنى موقفا أيديولوجيا مغرضا يجافي الحقيقة.
وهذا من الأخطاء التي سأظل أحذر منها، وأنبه إليها.
مرتبط
اكتشاف المزيد من أَسْرُ الْكلام
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
One Comment