من أخطاء الترجمة: قمة المناخ لم تكن “افتراضية”!

قمة المناخ لم تكن "افتراضية"

من الكلمات الإنجليزية التي أصبح الصحفيون يواجهونها هذه الأيام كلمة (virtual). 

وزاد تكرار هذه الكلمة عقب إجراءات الإغلاق العام والتباعد بين الناس بسبب وباء كورونا. وزاد معها وقوع بعض الصحفيين في الخطأ باختيار مقابل عربي غير دقيق للكلمة.

تستخدم كلمة (virtual) في تعبيرات إنجليزية مختلفة، لكني سأقتصر هنا على تناول واحد منها، وهو (virtual summit).

وتداولت المواقع الإخبارية التعبير الأسبوع الماضي عندما انعقدت قمة المناخ الأخيرة. 

ولكن ماذا قالت بعض المواقع العربية عن تلك القمة أو مثيلاتها، وكيف وصفتها؟

هذه بعض الأمثلة:

   

فلم يتفتق ذهن صحفيي تلك المواقع إلا عن هذا المقابل العربي (قمة افتراضية). وهذا هو اللفظ الذي وضعه تطبيق جوجل لترجمتها.

ولن يجد الباحث عن اللفظ في المعاجم العربية القديمة صيغة ”افترض“، أو الكلمة المنسوبة إليها ”افتراضيّ“، بالمعنى الحديث الذي نستخدمه الآن، لأن تلك المعاجم لم تورد إلا معنى واحدا لها هو”فَرَضَ“. فـ”فرَض“ الله الصلاة، أو ”افترض“ الله الصلاة، كانا يدلان على معنى واحد.   

ولكن هذا الباحث سيجد ضالته في القواميس الحديثة. و“الافتراضيّ“ فيها هو: الشيء المبني على الافتراض، أي الذي لم يتحقق، أو الشيء النظري الذي لا يعتمد على التجربة أو الخبرة، بحسب ما تذكره بعض المعاجم الحديثة.

بيد أن القمة تمت بالفعل، وليست أبدا مفترضة، أو وهمية. 

ولكن كيف تمت؟ هذا هو السؤال المهم الذي سيهدينا إلى المقابل العربي الدقيق.

وكلنا يعرف أن القمة، لم تتمَّ في قاعة واحدة التقى فيها من حضرها. لكنها تمت ”عن بعد“، وشارك فيها من شارك من مكانه هو ”عبر استخدام الإنترنت“.

ولذلك يمكننا أن نقول إنها قمة ”عن بعد“، أو قمة ”عبر الإنترنت“. وهذان التعبيران أدق كثيرا في وصف ما حدث.

وأنا هنا أقترح استخدام ”عن بعد“، أو ”عبر الإنترنت“ مقابلا عربيا لكلمة (virtual) الإنجليزية، عندما تستخدم في وصف قمة عقدت بتلك الكيفية.

وآمل أن يدفع اقتراحي الصحفيين واللغويين إلى الإدلاء بآرائهم إثراء للمعرفة، وللوصول إلى أنسب كلمة عربية. 

ولاحظت أن معظم اللغات الأوروبية استخدمت كلمة (virtual) أو صيغة قريبة منها. 

ولكن لفت انتباهي المقابل الذي استخدمته اللغة الفارسية، ولغة الپاشتو. إذ لجأ المتحدثون بهاتين اللغتين إلى كلمة عربية الأساس، هي كلمة ”مجازي“. فقالوا ”اجلاس مجازى“، أي قمة ”مجازية“. 

وتلك محاولة طيبة.

للمشاركة على :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

البحث

محمد العشيري

عملت محاضرًا في اللغة والثقافة العربية في جامعة برمنجهام البريطانية. درَستُ علم الأصوات اللغوية وعلم اللغة وتخصصت فيهما، ثم درَّستهما فيما بعد. وتشمل مجالات اهتمامي علوم اللغة العربية، والخطاب الإسلامي، واللغة في وسائل الإعلام. عملت أيضًا في جامعة وستمنستر في لندن، وجامعة عين شمس المصرية في القاهرة. وعملت مذيعا ومقدم ومعد برامج في هيئة الإذاعة البريطانية. من بين مؤلفاتي: “أصوات التلاوة في مصر: دراسة صوتية، و“عربية القرآن: مقدمة قصيرة”، و”كتاب الزينة في الكلمات الإسلامية والعربية لأبي حاتم الرازي: دراسة لغوية”. ونشرت مجموعة قصصية تحت عنوان “حرم المرحوم” وكتبا أخرى.