من أخطاء الترجمة: ليس هناك دم ”بارد“ في القتل!

من أخطاء الترجمة: قتل "بدم بارد"

لا تقتصر مسؤولية الصحفيين على الحفاظ على الحقيقة في نقل الأخبار، بل تتعدى ذلك إلى الحفاظ أيضا على صحة اللغة التي يكتبون بها، لأنها تنتشر مع انتشار الخبر.

وأنا لذلك أزعم أن هناك أخطاء لغوية، وأخطاء في الترجمة، يتحمل الصحفيون وحدهم مسؤولية ذيوعها بين الكتاب.

ومن ذلك هذا التعبير الذي غزا مواقعنا العربية بلا استحياء، ولم أجد –  فيما أعلم – أحدا نبه إليه، وهو القتل ”بدم بارد“.

فهل هناك قتل ”بدم ساخن“، وقتل ”بدم بارد“؟

ثم كيف يكون هناك قتل ”بالدم“، والباء في العربية حرف يفيد الواسطة، كما يتضح من: 

  • كتب الرسالة بالقلم بدلا من الكمپيوتر
  • ذبح القصاب الخروف بسكين حاد

لا وجود طبعا لمثل هذا التصنيف المضحك المحزن. ولا وجود أصلا لقتل بـ”دم“.

لكنْ يوجد صحفيون يترجمون ترجمة عمياء، ولا يعملون عقولهم فيما ينقلون عن شيخ الترجمة الآلية ”جوجل-ويه”، أو عن أي قاموس لا يعتد به. 

وهذا التعبير الأعرج ”بدم بارد“ هو ترجمة حمقاء لتعبيرين في الإنجليزية، هما:

  • “In cold blood”
  • “Cold-blooded”

وأود هنا أن أشير إلى أن في التعبير في الإنجليزية صورة مجازية، والصور المجازية لا تترجم ترجمة حرفية. بل تنقل بصورة مجازية مماثلة في اللغة المترجم إليها. وهذا موضوع سأعرض له في مقالة أخرى.

وحتى نتوصل إلى ترجمة بصيرة دقيقة لهذين التعبيرين تعالوا نستهدي بتعريف القاموس الإنجليزي لهما.  

فالتعبيران إذن – بحسب هذا التعريف – يدلان على فعل وحشي متعمد، لا رحمة فيه ولا شفقة.

والمقابل العربي الصحيح البصير الذي أقترحه لهذين التعبيرين هو:

  • قتل متعمد بلا مبرر
  • قتل بلا مشاعر
  • قتل بلا رحمة (بلا شفقة) 

ولا حاجة لنا أبدا إلى استخدام الدم، ولا معرفة درجة حرارته، والعياذ بالله. 


اكتشاف المزيد من أَسْرُ الْكلام

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

للمشاركة على :

5 Comments

  1. بارك الله فيك الدكتور الكريم د. محمد رياض
    فلقد شاعت أمثال هذه التعبيرات وانتشرت كانتشار النار في الهشيم، وعند التفكير فيها لا نجد تبريرا عربيا للاستخدام
    لكنها عيوب ااترجمة وعيوب المترجمين الذين يتسرعون في النقل الحرفي
    بارك الله فيك ونفع بك

  2. أرسل إلي الصديق العزيز دكتور أحمد غيه هذا التعليق الذي يقول فيه: “لا اعتقد ان التعبير بدم بارد ناجم عن ترجمة جوجل. فآباؤنا منذ زمن طويل يستخدمونه قبل ذلك بوقت مديد.
    وأعتقد أن له أصلا في لعربية. لأن القتل عادة يكون نتيجة الغضب وغليان الدم. ونقول “غلى الدم في عروقه… “. ومن هنا جاء استنكار القتل واستهجانه عندما يكون عن عمد وتخطيط ومكر أي بدم بارد..
    وموضوع حرف الباء وعدم صلاحيته هنا، يصح لو كان القائل يتكلم الفصحى.. أما العامية فتجيز هذا الاستعمال. وكونه موجود في اللغة الانجليزية in cold blood.. (يجيز استخدامه) فهناك تماثل وتشابه في كثير من الأمثال والتعابير وقد أوردر المورد عددا منها يصل الى العشرات.. والله أعلم.

    وأقول للدكتور أحمد:
    لست أظن أبدا أن تعبير “بدم بارد” تعبير استخدمه آباؤنا. وقد بحثت في موقع (الوراق)، وهو موقع جيد يضم عددا كبيرا من كتب التراث والكتب القديمة، ويمكن فيه البحث عن كلمة أو عبارة تكون قد استخدمت في تلك النصوص، فلم أجد فيه ما يؤيد رأيك.
    والتعبير الإنجليزي تعبير مجازي، والتعبيرات المجازية بنت ثقافتها، ولذلك من الخطأ الفادح ترجمتها حرفيا. وأنا ما زلت عند قولي أن “بدم بارد” هو ترجمة رديئة للتعبير الإنجليزي. ولا يشفع له في العربية نقيضه، أي أننا نقول عند الغضب إن “الدم يغلي في عروقه”.
    كما لا يشفع له استخدامه في لهجاتنا العامية، لأن الفصحى والعامية مستويان مختلفان للغة، إن لم نقل لغتين منفصلتين. وما يستخدم في أحدهما ليس حجة لاستخدامه في الآخر.
    ومن الطبيعي أن يكون هناك تماثل بين اللغات في التجارب البشرية المتماثلة. لكن هذا التماثل لا يبرر أبدا شرعية وجود “بدم بارد” في العربية، بحسب وجهة نظري.

  3. شكرا يا دكتور على هذه المعلومات القيمة ..بارك الله فيك وجزاكم الله خيرا على مجهودك للحفاظ على لغة القرآن

اترك تعليقك

البحث

محمد العشيري

عملت محاضرًا في اللغة والثقافة العربية في جامعة برمنجهام البريطانية. درَستُ علم الأصوات اللغوية وعلم اللغة وتخصصت فيهما، ثم درَّستهما فيما بعد. وتشمل مجالات اهتمامي علوم اللغة العربية، والخطاب الإسلامي، واللغة في وسائل الإعلام. عملت أيضًا في جامعة وستمنستر في لندن، وجامعة عين شمس المصرية في القاهرة. وعملت مذيعا ومقدم ومعد برامج في هيئة الإذاعة البريطانية. من بين مؤلفاتي: “أصوات التلاوة في مصر: دراسة صوتية، و“عربية القرآن: مقدمة قصيرة”، و”كتاب الزينة في الكلمات الإسلامية والعربية لأبي حاتم الرازي: دراسة لغوية”. ونشرت مجموعة قصصية تحت عنوان “حرم المرحوم” وكتبا أخرى.

اكتشاف المزيد من أَسْرُ الْكلام

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading