هل الكلمات الأجنبية في العربية مذكرة أم مؤنثة؟

الكلمات الأجنبية في العربية مذكرة أم مؤنثة

ثار نقاش قبل أيام عن بعض الكلمات الأجنبية التي أصبحت تتكرر في الأخبار يوما بعد يوم، مثل فيسبوك، وتويتر، وجوجل، وغيرها: هل نعاملها بوصفها أسماء مذكرة، أم أسماء مؤنثة؟

وقبل أن أجيب عن السؤال، أرى أنه من المفيد أن أطرح قبل ذلك عددا من الحقائق اللغوية تتعلق بمسألة التذكير والتأنيث في اللغة، بعامة، وفي العربية بخاصة. 

١ – حقائق لغوية مهمة:

قد يبدو موضوع التذكير والتأنيث في العربية لبعضنا شائكا. لكنه في الحقيقة سهل إن عرفنا المدخل الصحيح إليه.

وسأحاول هنا بسط بعض الحقائق التي آمل أن تساعدنا في فهمه.

ينبغي لنا أولا ألا نغفل حقيقة لغوية وهي أن اللغة العربية من بين لغات قليلة يوجد فيها حتى الآن تفرقة بين الأسماء من حيث التذكير والتأنيث. لأن هذه الظاهرة آخذة في التلاشي لغويا في كثير من لغات العالم. 

والتذكير والتأنيث في اللغات في كثير من الأمثلة لا علاقة له بالتذكير والتأنيث في الواقع الذي نعيشه. ولذلك تختلف اللغات فيه، فبينما تجد اسما مذكرا في لغة، تفاجأ بأنه مؤنث في أخرى. ومثال ذلك كلمة (الشمس) في العربية التي يفهم العرب من خلال تراثهم الثقافي، وربما اللغوي، أنها مؤنث، لكنها في الفرنسية (le soleil) مذكر.

والحقيقة الثانية المهمة هي أن الأصل في الأسماء في العربية هو التذكير. أما الأسماء المؤنثة فيلحقها في الأغلب علامة تدل على أنها مخالفة للأصل. وليس في هذا أي انحياز مناهض للمرأة، كما يظن بعض الناس ظلما.

وتذكير الأسماء أو تأنيثها في العربية ينعكس أيضا على صيغ الأفعال التي تسند إليها. إذ تلحقها علامة إن كان المسند إليه (أي موضوع الحديث) مؤنثا. 

فإن تحدثنا عن مجيء الولد من المدرسة قلنا: (جاء الولد من المدرسة)، و(الولد جاء من المدرسة). أما إن كان موضوع حديثنا البنت قلنا: (جاءت البنت من المدرسة)، و(البنت جاءت من المدرسة).

والحقيقة الثالثة التي يجب الالتفات إليها هي أن مسألة التذكير والتأنيث في العربية – كما عالجتها كتب النحو العربي القديمة، وكثير من الكتب الحديثة أيضا – مسألة تختلط فيها القواعد النحوية بأحكام اجتماعية نابعة من المجتمعات العربية ”الذكورية“ في الماضي والحاضر. وتلك الأحكام الاجتماعية ليست ملزمة لنا نحويا، ولا لغويا، لأنها ليست قاعدة يخطئ من لا يطبقها.

مثال ذلك بعض الكلمات التي قال نحاة إنها لا تؤنث، ككلمة ”عجوز“، و”صبور“، وإنها تستخدم بهذه الصيغة مع المذكر والمؤنث. فنقول – بحسب رأيهم – ”رجل عجوز“ و”امرأة عجوز“. 

وهذا في رأيي حكم اجتماعي كان العرب يتبنونه في فترة ما وفي بيئة ما، لأسباب اجتماعية معينة. وعكس هذا النحاة في كتبهم عندما كتبوها. وظن اللاحقون من دارسي العربية أن ما قاله النحاة بشأن مثل تلك الكلمات: ”عجوز، وصبور“ هو قاعدة يجب الالتزام بها.

وهذا غير صحيح، لأن من يقول: ”هذه امرأة عجوزة“ لم ينتهك أي قاعدة نحوية، لكنه أخل بالالتزام بحكم اجتماعي خاص بزمن بعينه وببيئة بذاتها.

وكم كان مجمع اللغة العربية بالقاهرة حصيفا عندما أقر ”عجوزة“ ووضعها في معجمه ”الوسيط“.

وللحديث بقية.

     


اكتشاف المزيد من أَسْرُ الْكلام

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

للمشاركة على :

2 Comments

اترك تعليقك

البحث

محمد العشيري

عملت محاضرًا في اللغة والثقافة العربية في جامعة برمنجهام البريطانية. درَستُ علم الأصوات اللغوية وعلم اللغة وتخصصت فيهما، ثم درَّستهما فيما بعد. وتشمل مجالات اهتمامي علوم اللغة العربية، والخطاب الإسلامي، واللغة في وسائل الإعلام. عملت أيضًا في جامعة وستمنستر في لندن، وجامعة عين شمس المصرية في القاهرة. وعملت مذيعا ومقدم ومعد برامج في هيئة الإذاعة البريطانية. من بين مؤلفاتي: “أصوات التلاوة في مصر: دراسة صوتية، و“عربية القرآن: مقدمة قصيرة”، و”كتاب الزينة في الكلمات الإسلامية والعربية لأبي حاتم الرازي: دراسة لغوية”. ونشرت مجموعة قصصية تحت عنوان “حرم المرحوم” وكتبا أخرى.

اكتشاف المزيد من أَسْرُ الْكلام

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading