(٣) التذكير هو الأصل في الأسماء الأجنبية
أنا أزعم أن أغلب الأسماء الأجنبية التي تستخدم في عصرنا الحالي في الصحف والمواقع الإخبارية، مثل ”فيسبوك“، و”تويتر“، و”جوجل“، تقع تحت جنس المذكر من الأسماء. وأقول ذلك لسببين.
أولهما: أن هذه الأسماء وفدت إلينا من لغات لم تعد تفرق بين المذكر والمؤنث، فأصبحت الأسماء فيها مجهولة الجنس لدى من يستخدمها من أبناء اللغات الأخرى.
ثانيهما: أننا نتعامل مع تلك الأسماء في ضوء الحقيقة اللغوية التي أشرت إليها في المقالة الأولى، وهي أن الأصل في الأسماء في العربية هو التذكير، وأن المؤنث يُعرف بعلامة صرفية تلحق آخره. ولذلك نعد معظم الأسماء الأجنبية مذكرة الجنس.
وعدد الأسماء الأجنبية التي نحكم بتأنيثها، لأنها تنتهي بلاحقة شبيهة بعلامات التأنيث في العربية، قليلة ولا تمثل إلا نسبة ضئيلة. وضربت لذلك مثلا بكلمات ”سينما“، و”أوركسترا“، وبعض أسماء البلدان مثل ”فرنسا“، و”انجلترا“، و”بورما“.
ومن الطريف هنا أن أشير إلى أن العرب في الماضي وحتى عهد قريب كانوا يكتبون أسماء البلدان الأجنبية، التي أدركوا أنها مؤنثة الجنس بالتاء المربوطة. فكتبوا:
- ”فرنسا“ = ”فرنسة“ (كما ورد في صبح الأعشى للقلقشندي (المتوفى ١٤١٨ ميلادية))
- ”اسبانيا“ = ”اسبانية“ (كما ورد في نزهة المشتاق للإدريسي (المتوفى ١١٦٤ ميلادية))
- ”افريقيا“ = ”افريقية“ (كما ورد في الكامل لابن الأثير (المتوفى ١٢٣٣ ميلادية))
- ”ايطاليا“ = ”ايطالية“ (كما ورد في رحلات رشيد رضا (المتوفى ١٩٣٥ ميلادية))
ومع هذا الوضوح في جنس معظم الأسماء الأجنبية، وهو المذكر، نجد بلبلة في المواقع الإخبارية. إذ تتعامل بعضها معها على أنها أسماء مذكرة، بينما تتعامل أخرى معها على أنها مؤنثة.
وهذه أمثلة على تأنيثها:
وهذه أمثلة على تذكيرها:
وأظن أن السبب في هذا الخلط هو اللفظ الذي يرد في ذهن المحرر عند تحرير الخبر. فإن كان الخبر مثلا يدور على ”فيسبوك“، ويتعلق به بوصفه ”شركة“ كبرى، يميل المحرر إلى معاملة ”فيسبوك“ على أنه مؤنث.
أما إن كان مدار الحديث هو ”موقع“ التواصل الاجتماعي، عامل الكلمة على أنها مذكر.
وهذا ما يحدث مع ”تويتر“، ”جوجل“. وما يحدث أيضا مع اسم مثل ”بنتاجون“. فإن قصدت ”وزارة“ الدفاع عاملت الكلمة على أنها مؤنث. أما إن قصدت ”المبنى“، عاملتها على أنها مذكر.
وهذه بعض الأمثلة:
الصواب المقترح:
وحتى نتفادى تلك البلبلة في مسألة جنس الأسماء الأجنبية أرى أنه من الأصوب أن نلتزم بالتذكير إلا إن كان في الاسم ما يقارب علامة تأنيث مستخدمة في العربية، كما هو الحال في كلمة ”سينما“.
وأحسب أنه من الأولى أن نحافظ على الوضوح في كتابة الخبر، فنستخدم كلمة دالة مثل “شركة”، أو “موقع” قبل الكلمة الأجنبية. فنقول: قالت شركة “تويتر”، أو موقع “فيسبوك”، وهكذا.
- اقرؤوا أيضا: هل الكلمات الأجنبية في العربية مذكر أم مؤنث؟
- اقرؤوا أيضا: هل في الكلمات الأجنبية علامات تأنيث؟
وفي المقالة الأخيرة إن شاء الله سنتكلم عن ألقاب أسماء الأعلام الأجنبية وتأثيرها في الأسماء العربية.
مرتبط
اكتشاف المزيد من أَسْرُ الْكلام
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
2 Comments
وماذا سنفعل مع الاتهامات بالتقليل من شأن المرأة ؟!
هذا حديث عن التذكير اللغوي، وليس حديثا عن الذكورية الاجتماعية. وشتان ما بين الاثنين.
نحن الذكوريون لا اللغة.