في تعلم العربية وتعليمها

تعلم العربية وتعليمها

في هذا المنبر نقدم بعض الأفكار التي نأمل في أن تساعد الراغبين في تعلم العربية، سواء من أبنائها أم من الناطقين بغيرها، وأيضا من يتعاملون باللغة العربية الفصيحة في وسائل الإعلام المختلفة، وينشدون استقامة لغتهم استقامة لا تنأى بهم عن عصرهم، ولا تعيق الآخرين في فهم ما يكتبونه أو ما يسمعونه منهم.

وقبل أن أشرع في ذلك أود إلى الإشارة إلى بعض النقاط المهمة في درس اللغة وتعلمها، خاصة اللغة العربية الفصيحة.

أولا: للعربية الآن مستويات مختلفة – عرض لها الدكتور السعيد بدوي في كتابه القيم (مستويات العربية المعاصرة في مصر) – لا ينبغي الخلط بينها، سواء في الحديث والمحادثات، أم في الكتابة في وسائل الإعلام المختلفة. من هذه المستويات اللغة العربية الفصحى، وهي لغة التراث العربي، ثم اللغة العربية الفصيحة، وهي اللغة التي نستخدمها هذه الأيام في وسائل الإعلام الملتزمة بالمستوى الفصيح، وفي الخطب الدينية والأحاديث الأدبية. ويضاف إلى ذلك ما يمكن أن نسميه بعربية المثقفين، وهي خليط بين المستوى الفصيح والمستوى العامي. وأخيرا هناك المستوى العامي الذي يستخدم بين المتحدثين بالعربية في أحاديثهم اليومية، وفي الأسواق، ومن أسف، في التدريس أحيانا.

ثانيا: على الدارس أن يحدد، قبل أن يشرع في درسه، المستوى الذي يسعى إلى دراسته، وألا يزاوج بين مستويين خلال فترة الدراسة. وقد يكون البدء بدرس المستوى الفصيح هو الأنسب، حتى إذا تأكد الدارس من اكتساب دربة كافية فيه، أمكنه بعد ذلك التحول إلى مستوى آخر، كالعامية مثلا.

ثالثا: اللغة تكتسب بالأذن وبالعين، لكن الأذن تأتي أولا. ولذلك يجب على الدارس الاستماع إلى اللغة ما أمكنه ذلك، حتى يحسن صيغ النطق الصحيحة للكلمات، ثم يمكنه بعد ذلك التحول إلى القراءة في الأعمال الأدبية الراقية. ولن يستطيع الدارس إتقان اللغة، أي لغة، إن لم يدعمها ويغذها دوما بالاستماع والقراءة، ثم يأتي بعد ذلك الكلام والكتابة.

رابعا: درس اللغة ليس مقصورا على درس قواعد تلك اللغة، بصيغها وأنواعها الصرفية (صيغ الكلمات) والنحوية والتركيبية (صيغ الجمل وتراكيبها) والدلالية (معاني الكلمات في سياقاتها المختلفة)، بل إنه يتجاوز ذلك إلى المهارات اللغوية المعروفة، وهي الكلام والكتابة باللغة بحيث يفهمك أهل اللغة ذاتها، والاستماع والقراءة بحيث تفهم ما يقوله ويكتبه أبناء اللغة الأقحاح. وأؤكد هنا على تلك النقطة لما لاحظته خلال عملي في تدريس العربية من تركيز كثير من المعلمين والدارسين، على السواء، على القواعد أولا، ثم تأتي بعد ذلك في منهجهم الأمور الأخرى. وهذا في رأيي منهج خاطئ، يدرك خطأه من يرى الكيفية التي يتعلم بها أي طفل لغته الأم، دون أن تكون أمه أو أبوه على دراية بقواعد تلك اللغة، أو لديه معرفة بمصطلحاتها النحوية.

خامسا: ينبغي على الدارس أن يسعى إلى الإلمام بقائمة الألفاظ الأساسية التي تمكنه من التواصل مع أبناء اللغة الأصلاء والكلام معهم والكتابة بها، بحيث يعبر عن جل ما يريده. وعليه من بعد، التوسع في محصوله اللغوي بواسطة الاستماع والقراءة. ومما يجب أن يلتفت إليه الدارس تعلم العبارات والتراكيب والألفاظ في سياقاتها اللغوية حتى ترسخ في ذهنه، وليس من المعجم، الذي ليس سوى قائمة كلمات غير حية.

سادسا: التدريب ثم التدريب على ما سمعه وما قرأه، واستخدامه من بعد في الحديث والكتابة. وبالتدريب وحده تنتقل الألفاظ والعبارات والتراكيب من الجانب السلبي (وهو الألفاظ التي ندركها عندما نسمعها أو نقرأها، لكنا لا نستحضرها عند الحديث أو الكتابة) إلى الجانب الإيجابي الذي يمثل حصيلتنا الحية المستحضرة في الكلام وفي الكتابة.

للمشاركة على :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

البحث

محمد العشيري

عملت محاضرًا في اللغة والثقافة العربية في جامعة برمنجهام البريطانية. درَستُ علم الأصوات اللغوية وعلم اللغة وتخصصت فيهما، ثم درَّستهما فيما بعد. وتشمل مجالات اهتمامي علوم اللغة العربية، والخطاب الإسلامي، واللغة في وسائل الإعلام. عملت أيضًا في جامعة وستمنستر في لندن، وجامعة عين شمس المصرية في القاهرة. وعملت مذيعا ومقدم ومعد برامج في هيئة الإذاعة البريطانية. من بين مؤلفاتي: “أصوات التلاوة في مصر: دراسة صوتية، و“عربية القرآن: مقدمة قصيرة”، و”كتاب الزينة في الكلمات الإسلامية والعربية لأبي حاتم الرازي: دراسة لغوية”. ونشرت مجموعة قصصية تحت عنوان “حرم المرحوم” وكتبا أخرى.