“سر” مخالفة العدد للاسم المعدود تذكيرا وتأنيثا؟

لماذا يخالف العدد الاسم المعدود في النوع؟

سر المخالفة في “قاعدة العدد”

تثير قواعد العدد في العربية – من حيث مخالفة العدد للمعدود في التأنيث والتذكير – دوما تساؤلا، وربما تساؤلات، في أذهان الناطقين بالعربية ومتعلميها، عن الحكمة وراء هذه المخالفة. لكنهم يطبقونها ملتزمين حتى وإن لم يعلموا السبب.

وأنا أريد هنا الحديث عن هذه النقطة لأنطلق منها إلى نقطة أخرى مرتبطة بها رباطا وثيقا.

تعالوا نطرح بعض الأمثلة، ثم نسأل أنفسنا السؤال المهم: ما الحكمة؟

١- فلان كاتب كبير مشهور

٢- قابلت كاتبا كبيرا مشهورا

٣- هذه باحثة عراقية ذات صيت

٤- تكلمت مع باحثة عراقية ذات صيت

في الأمثلة السابقة نماذج للصفة (أو النعت) في العربية والموصوف (أو المنعوت). وهذه النماذج تدل على أن للصفة والموصوف في العربية ترتيبا ثابتا – تختلف فيه لغتنا عن لغات أخرى مثل الإنجليزية – تتبع فيه الصفة الموصوف دوما، (كاتب← كبير، باحثة ← عراقية) وكلنا يعلم موافقة الصفة لما تصف في التذكير والتأنيث، والتعريف والتنكير، والإعراب.

تعالوا الآن ننتقل إلى المجموعة الثانية من الأمثلة، وهي:

٥- قابلت الرجال المصريين

٦- رأيت الفتيات السوريات

ثم دعونا نستبدل بالصفة في المثالين ٥ و ٦، صفة أخرى، تدل على عدد من قابلت ورأيت، لأهمية ذلك لدى من أخاطب.

٧- قابلت الرجال الثلاث المصريين

٨ رأيت الفتيات الثلاثة السوريات

لابد أنكم لاحظتم أن (الثلاث، الثلاثة) هما صفتان للرجال وللفتيات، ولذلك تبعتا الموصوف، واتفقتا معه في التذكير والتأنيث، والتعريف. ولذلك قلنا الرجال الثلاث المصريين، والفتيات الثلاثة السوريات.

ولكن قد يتساءل أحدكم إن كنا نطبق قاعدة العدد من حيث مخالفته للمعدود في التذكير والتأنيث هنا.

وأنا أقول لا مجال لتطبيق تلك القاعدة. فلو طبقناها لوجدنا لدينا صفتين لموصوف واحد، إحداهما مؤنثة والأخرى مذكرة، وفي هذا تناقض بشع، كما في المثالين التاليين:

٩- قابلت الرجال الثلاثة (صفة مؤنثة) المصريين (صفة مذكرة)

١٠- رأيت الفتيات الثلاث (صفة مذكرة) السوريات (صفة مؤنثة)

وتطبيق قواعد اللغات لا يتم اعتباطا إذا توالت قاعدتان، بل لابد من أن يكون لإحداهما الأولوية في التطبيق على الأخرى. وهنا تأخذ قاعدة الصفة الأولوية في التطبيق لأنها غير عارضة على قاعدة مخالفة العدد للمعدود، لأنها طارئة.

وما أعنيه بمصطلح (قاعدة طارئة) هنا بحاجة إلى وقفة. وهذه هي النقطة الثانية التي كنت أود الحديث عنها.

تعالوا ننظر في الأمثلة التالية:

١١- قابلت رجالا (موصوف) ثلاثا (صفة)

١٢- رأيت فتيات (موصوف) ثلاثة (صفة)

١٣- قابلت ثلاثة (صفة تقدمت على موصوفها) رجال (موصوف)

١٤- رأيت ثلاث (صفة تقدمت على موصوفها) فتيات (موصوف)

في المثالين ١١ و ١٢ ليس لدينا مشكلة، فرتب الكلمات هي الرتب المعتادة في العربية بين الموصوف والصفة.

أما في المثالين ١٣ و ١٤، فهناك مخالفة واضحة، ألا وهي تقدم الصفة على موصوفها في الترتيب. وقد استدعى هذا مخالفة في التذكير والتأنيث لتبين أن هذا وضع طارئ للصفة، وليس وضعها المعتاد، ولذلك خولف بينها وبين الموصوف في التذكير والتأنيث.

وهذا – في رأيي – سر المخالفة في قاعدة العدد والمعدود، فالمخالفة هنا لها وظيفة، وهي أن توضح الوضع غير المعتاد للصفة، وهو سبقها للموصوف.

ولو عدنا إلى الأمثلة ٧ و ٨ و ٩ و ١٠، لرأينا الصفة في وضعها المعتاد، أي أنها أتت بعد الموصوف، ولذلك لا حاجة ألبتة لتطبيق قاعدة المخالفة.

وفي ضوء ما سبق أقترح أن نلتزم بتطبيق قاعدة الصفة في العربية في الأمثلة التالية التي تتكرر في الأخبار:

١٥- قادة الدول الثمانية يتجنبون الإشارة لمصير الأسد

١٦- مجموعة الدول الثمانية تدعم عقد مؤتمر جنيف للسلام في سوريا

١٧- اختلاف أمريكي روسي حول سوريا بقمة الثمانية

١٨- اجتماع الدول الأربعة في جنيف

١٩- الصراع في أوكرانيا على رأس مواضيع قمة الدول الأربعة الكبرى

للمشاركة على :

One Comment

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

البحث

محمد العشيري

عملت محاضرًا في اللغة والثقافة العربية في جامعة برمنجهام البريطانية. درَستُ علم الأصوات اللغوية وعلم اللغة وتخصصت فيهما، ثم درَّستهما فيما بعد. وتشمل مجالات اهتمامي علوم اللغة العربية، والخطاب الإسلامي، واللغة في وسائل الإعلام. عملت أيضًا في جامعة وستمنستر في لندن، وجامعة عين شمس المصرية في القاهرة. وعملت مذيعا ومقدم ومعد برامج في هيئة الإذاعة البريطانية. من بين مؤلفاتي: “أصوات التلاوة في مصر: دراسة صوتية، و“عربية القرآن: مقدمة قصيرة”، و”كتاب الزينة في الكلمات الإسلامية والعربية لأبي حاتم الرازي: دراسة لغوية”. ونشرت مجموعة قصصية تحت عنوان “حرم المرحوم” وكتبا أخرى.