هل يعني وجود الكلمة في القاموس جواز استخدامها؟

الكلمات في القاموس ميتة

الجواب المختصر: لا يعني وجود الكلمة في المعجم جواز استخدامها، إذ إن لذلك شروطا يجب مراعاتها.

تفصيل ذلك في الإجابة.

في حديث بين بعض الصحفيين سأل أحدهم عن أصل كلمة “خَشَّ”، لأنه لا يعتقد أنها عربية. وهنا دفعني حب المعرفة إلى البحث والرد على سؤاله.

وأظهر بحثي السريع أن الكلمة عربية الأصل وليست فارسية أو تركية، وأنها تستخدم في المعنى نفسه الذي يستخدمها فيه الناس في عامياتهم.

وقال صاحب السؤال لما عرف ذلك: في هذه الحالة – إذن – لا مانع من استخدامها في كتاباتنا الصحفية؟

وهنا لابد من وقفة.

فقد أخذ كثير من مدققي العربية في وسائل الإعلام ينحون إلى سرعة تبني صيغ كلمات عربية والحض على استخدامها، وحجتهم في ذلك وجودها في المعجم.

وربما نلتمس لهذه الفئة من المدققين ومن يسير على نهجهم عذرا في ارتباط العربية بالقرآن الكريم. إذ إن هذا الارتباط جعل العربية في أذهان كثير من متحدثيها لغة ينبغي الحفاظ عليها وحمايتها. وأحد سبل تلك الحماية هو التزام ما استخدمه السلف والأجداد، ومستودع ذلك هو المعاجم، خاصة القديم منها، مثل اللسان.

وقد لا يدرك هؤلاء أن الكلمات في المعجم ”ميتة“ ولا يمنحها وجودها بين دفاته أي حياة. ما ينفخ في الكلمات روح الحياة هو استخدام المتحدثين لها.

وينبغي أن نلفت الانتباه هنا إلى الفرق بين ”الصحة اللغوية“، و”القبول اللغوي“.

وما نعنيه بالصحة اللغوية هو صحة الكلمة نطقا بحسب قواعد اللغة الصوتية، ومثال ذلك صحة نطق كلمة ”كِتاب“ بكسر الكاف، وعدم صحة ”كُتاب“ بضم الكاف، وصحة الكلمة صرفيا، مثل صحة جمع ”مدير“ بـ”مديرين“، وعدم صحة ”مدراء“، وصحة الكلمة نحويا، مثل صحة كلمة ”علما“ في جملة (أنا أكثر منك علما)، وعدم صحتها في جملة (أكثر علما الرجل في مجال التاريخ)، وصحة كلمة ”حجة“ دلاليا في جملة (كانت حجة الباحثة في النقاش قوية)، وعدم صحتها في جملة (لم تقبل المديرة حجة المعلمة في التغيب).

ويمكن للمتحدثين باللغة استشارة المعجم لمعرفة صحة الكلمة نطقا، وصحتها صرفا، وصحتها دلالة. لكن عليهم الرجوع إلى كتب القواعد النحوية لمعرفة الصحة النحوية.

لكن هل صحة الكلمة لغويا تجعلها مقبولة لغويا؟

ما نقصده بالقبول اللغوي هو قبول الجماعة اللغوية التي تتخذ من اللغة، كالعربية مثلا، وسيلة للتواصل فيما بينها، استخدام الكلمة. وقد تكون الكلمة صحيحة لغوية، ولا تكون مقبولة لغويا. فليس كل صحيح لغويا مقبولا لغويا.

ولنضرب مثالا بالكلمة التي بدأنا بها المقالة، كلمة ”خش“.

فالكلمة عربية عرفتها اللغة الفصحى في الماضي، لكنها توارت عن الاستخدام لفترة وكتب لها الشيوع في مستوى لغوي آخر، هو المستوى العامي. فهل يعني هذا – كما قال صاحب السؤال – أن نستخدمها في الكتابة في وسائل الإعلام لأنها موجودة في المعجم، الذي دلنا على أن العرب كانوا يستخدمونها في نثرهم وشعرهم؟

الجواب – من أسف – لا. فليس كل صحيح لغويا، مقبولا لغويا لدى الجماعة اللغوية التي تستخدم اللغة. ولذلك لا يصح أن نقول في وسائل الإعلام اليوم: (تعالوا سيداتي وسادتي نخش في القضية مباشرة). لأننا بذلك نخلط بين مستويين مختلفين للغة، مما يثير الضحك. وهذا عينه وسيلة من الوسائل اللغوية التي يستخدمها مؤلفو النكات لإثارة ضحك الجمهور. لأن الجمهور يدرك بذكائه الفطري أنه لا يجوز في اللغة الخلط بين مستويين مختلفين. وهذا هو نفسه ما يثير سخرية الناس من حديث الأجانب عندما يتحدث غير المجيد منهم بالعربية مثلا فيخلط العامية بالفصيحة.

وهكذا ندرك أهمية الاستخدام عند تناول قضية الصحة اللغوية، أو الأخطاء الشائعة، فلا يكفي أن نفتش، أو ننبش، في المعاجم لنعرف أي اللفظين أصح، بل لا بد من العودة إلى استخدام الجماعة اللغوية، حتى نعرف إن كانت الكلمة مقبولة لديها لغويا أو لا.

للمشاركة على :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

البحث

محمد العشيري

عملت محاضرًا في اللغة والثقافة العربية في جامعة برمنجهام البريطانية. درَستُ علم الأصوات اللغوية وعلم اللغة وتخصصت فيهما، ثم درَّستهما فيما بعد. وتشمل مجالات اهتمامي علوم اللغة العربية، والخطاب الإسلامي، واللغة في وسائل الإعلام. عملت أيضًا في جامعة وستمنستر في لندن، وجامعة عين شمس المصرية في القاهرة. وعملت مذيعا ومقدم ومعد برامج في هيئة الإذاعة البريطانية. من بين مؤلفاتي: “أصوات التلاوة في مصر: دراسة صوتية، و“عربية القرآن: مقدمة قصيرة”، و”كتاب الزينة في الكلمات الإسلامية والعربية لأبي حاتم الرازي: دراسة لغوية”. ونشرت مجموعة قصصية تحت عنوان “حرم المرحوم” وكتبا أخرى.