سألني صديق عندما كنا نناقش ما قاله قائد الجيش السوداني في خطابه الذي شرح فيه أسبابَ استيلاءِ الجيش على السلطة، واستخدم فيه خطأ كلمة ”مدراء“ جمعا لمدير، سؤالا لمّاحا فعلا، فقال:
أليست ”مدير“ و”وزير“ على وزن فعيل؟
فقلت له: هذا صحيح. فكلمات: ”مُدير“، و”مُعيد“، و”مقيم“، و”وزير“، و”سعيد“، و”ظريف“، كلُها، سماعيا، وزنها ”فعيل“.
لكن، هل يعني اتفاق تلك الكلمات صوتيا وسماعيا اتفاقَها أيضا في حالات أخرى، مثلِ الجمع؟
هذا ما توهمَهُ بعضُ الناس، ومازالوا، عندما ظنوا أن ”مدير“، مثلَ ”وزير“، يُمكن أن تجمع على ”مدراء“، كما جمعت ”وزير“ على ”وزراء“.
ومازالت تلك الصيغة المعيبة تتكرر في صفحات المواقع على الإنترنت. وهذه أمثلة:
طبيعة العربية
لكن هذه مقارنة غير مصيبة، وقياس خاطئ، لأن اتفاقَ الكلمات صوتيا في وزن مّا، لا يعني أبدا، تشابُهَهَا. ويكمن السببُ في طبيعة اللغة العربية.
فاللغةُ العربية لغةٌ مبنية على الاشتقاق، أي أن الكلماتِ فيها تتولّدُ، أو تُشتقُ، من جذر محدد، تتفرعُ عنه، بعد ذلك، كلماتٌ وصيغٌ محددة.
فالجذر الثلاثي (كَ، تَ، بَ) هو الأصل الذي تفرعت عنه كلمات: كِتاب، وكُتب، وصيغ: كَتبَ، وكِتابة، وكَاتَبَ، ومُكاتبة، وكاتِبْ، ومكتوبْ، ومكتبْ، ومكاتب.
وهذا يعني أنه لا ينبغي لنا أن ننخدعَ بأي تشابُهٍ صوتيّ من حيثُ الوزنُ بين كلمتين، مثلِ وزير، ومدير. بل يجبُ أن نُعيدَ الكلمات إلى أصولها، أي إلى جذورها، حتى نتأكدَ إن كان هناك تشابهٌ بينها أم لا، وهذا ما يُساعدنا فيه الميزان الصرفيّ.
الميزان الصرفي
الميزان الصرفي هو الذي يدلنا على أصل الكلمة وأبنيتها وصيغِها. ويتكون هذا الميزان من ثلاثة أحرف هي (ف – ع – ل)، تُشير إلى حروف الجذر الثلاثة، إذ إن أغلبَ كلمات العربية يرجع إلى جذر ثلاثي، وتشير (الفاء) فيه إلى أول حرف في جذر الكلمة، وتشير (العين) إلى الحرف الأوسط في الجذر، وتشير (اللام) إلى الحرف الأخير في الجذر. وصيغة (ف – ع – ل) تشير في الأغلب إلى الفعل الماضي المسند إلى ضمير الغائب المفرد المذكر ”هو“.
وحتى نعرف ذلك عمليا، تعالوا نقارن بين مجموعتين من الكلمات:
في المجموعة الأولى: لدينا ”وزير“، و”سعيد“، و”ظريف“.
وفي المجموعة الثانية: لدينا ”مدير“، ”معيد“، ”مقيم“
فما جذور الكلمات في المجموعة الأولى؟
وزير: مشتقة من الجذر (و – زَ – ر)، وسعيد: مشتقة من الجذر (س – عَ – د)، وظريف: مشتقة من الجذر (ظ – رُ – ف).
ووزن هذه الكلمات الصرفي جميعا هو (ف – ع – ي – ل)، ودلنا الوزن الصرفي على أن الياء فيها، ليست من حروف الجذر الأصلية.
وإذا نظرنا الآن إلى كلمات المجموعة الثانية للتعرف على جذورها، فسنلاحظ أنها جميعا تبدأ بحرف (ميم) مضمومة.
فهل حرف (الميم) هذا جزء من الجذر في كل منها، كما أن حرف الواو جزء من جذر ”وزير“، وحرف السين من جذر ”سعيد“، وحرف الظاء من جذر ”ظريف“؟
تشير كلمة ”مدير“ إلى الشخص الذي يتولى الإدارة، وفعل الإدارة هو أدار/ يدير. والوزن الصرفي للفعل أدار/يُدير هو (أفعل/يُفعل).
وكلمة ”مُعيد“ تشير إلى الشخص الذي يُعيد الدرس مثلا بعد الأستاذ في الجامعة، وفعله أعاد/يُعيد، ووزنه الصرفي (أفعل/يُفعِل)
وكلمة ”مقيم“ تشير إلى إما من استقر في مكان، وإما من يقيم شيئا أي يؤديه حق أدائه، كمقيم الصلاة مثلا.
ومن هذا جاء تعبير (المقيم العام)، وهو ممثل فرنسا خلال الاحتلال في دول المغرب، وهو من الفعل (أقام/يُقيم)، ووزنه الصرفي (أفعل/يُفعِل)
لكن ما الجذر الثلاثي لهذه الأفعال: أدار/يدير، وأعاد/يعيد، وأقام/يقيم؟
* أدار/يدير من دار/يدور، فالجذر الثلاثي هو (د – و – ر)، ومنها كلمة دورة
* أعاد/يعيد، من عاد/يعود، والجذر الثلاثي هو (ع – و – د)، ومنها العودة
* أقام/يقيم، من قام/يقوم، والجذر الثلاثي هو (ق – و – م)، ومنها كلمة قوم.
وهذا كله يدلنا على أن الميم في أول (مدير) و(معيد) و(مقيم) ليست حرفا من حروف الجذر الأصلية في تلك الكلمات، بل حرفا زيد لوظيفة معينة.
وقبل أن نعرف تلك الوظيفة، يجب أن نتطرق أولا إلى تحول (واو) الجذر في (د – و – ر) و(ع – و – د) و(ق – و – م) إلى ألف في صيغة الفعل الثلاثيّ في الماضي؟
يرجع السبب في ذلك إلى أن وزن الفعل الثلاثيّ في الماضي هو (فَعَلَ) وكان من المفترض نظريا أن نقول (دَوَرَ)، و(عَوَدَ) و(قَوَمَ).
لكن قواعد علم الصرف العربي تقول إن (الواو) إذا تحركت، أي لحقتها فتحة مثلا، وتحرك ما قبلها بالفتحة أيضا، كما في وزن (فَعَلَ)، كان من الأيسر نطقا أن تُقلب ألفا. وهذا ما حدث فنقول:
في (دَوَرَ) = (دَارَ)
وفي (عَوَدَ) = (عَادَ)
وفي (قَوَمَ) = (قَامَ)
وهذه الأفعال جميعا أفعال ثلاثيّة، وهي كلها أفعال لازمة، أي لا تأخذ مفعولا به. فنقول: (دار الرجل حول البيت)، و(عاد المسافر من الخارج)، و(قام الضيف من مقعده).
ولما أدخلنا على تلك الأفعال الهمزة أصبحت متعدية إلى مفعول به. فنقول: (أدار الرئيس الجديد الشركة)، و(أعاد المشتري السيارة إلى المصنع)، و(أقام الشيخ الصلاة).
الميم في بداية تلك الكلمات ”مُدير“، و”مُعيد“، و”مُقيم“ ليست من أصل الجذر، كما أشرنا. فمن أين جاءت؟
صيغة اسم الفاعل
تدل الكلمات جميعها على وقوع حدث معين، وتشير إلى فاعل لهذا الحدث. وهذا ما نسميه اسم الفاعل. والميم هي الحرف الدال على اسم الفاعل في تلك الكلمات.
واسم الفاعل من الفعل الرباعي يشبه تماما صيغة المضارع منه، لكن الفرق بين اسم الفاعل وصيغة المضارع هو أننا نضع حرف الميم بدل الياء في بداية الفعل، ونكسر الحرف الذي يقع قبل آخره.
* اسم الفاعل من أدار/يدير = مُدير
* اسم الفاعل من أشار/يشير = مُشير
* اسم الفاعل من أنار/ينير = مُنير
* اسم الفاعل من أكرم/يُكرم = مُكرِم
* اسم الفاعل من أخرج/يُخرج = مُخرج
الفرق بين ”وزير“ و”مُدير“
هناك إذن فرق بين ”وزير“ و”مدير“، وأظهر لنا هذا الفرق الوزن الصرفي. فالوزن الصرفي لـ”وزير“ هو ”فعيل“، أما الوزن الصرفي لـ”مدير“ فهو ”مُفعِل“.
وجمع ”فعيل“ في العربية هو ”فُعلاء“، مثل (وزير – وزراء)، و(سعيد – سعداء)، و(ظريف – ظرفاء)، و(كريم – كرماء)، و(شريف – شرفاء).
أما الكلمات التي على وزن ”مُفْعِل“، مثل مدير، ومشير، ومقيم، ومخرج، ومكرم، ومزلزل، ومدحرج، فتجمع جمع مذكر سالما.
فنقول في حالة الرفع: (جاء المديرون، والمخرجون)، ونقول في حالة النصب والجر: (قابلت المديرين، والمخرجين)، و(تعرفت على المديرين، والمخرجين).
ولا ينبغي لنا أن ننخدع أبدا باتفاق كلمتين سماعيا، أو صوتيا. وعلينا أن نرجع الكلمة إلى جذرها الأصلي، مستخدمين الميزان الصرفي للتعرف على أصلها والأحرف الأصلية فيها والأحرف الزائدة.
مرتبط
اكتشاف المزيد من أَسْرُ الْكلام
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.