مواضع تتابع الصوتين الساكنين في العربية

مواضع ظهور الساكنين

في الفيديو السابق تحدثت عن أنواع الأصوات في العربية، وقلت إن منها أصواتا ساكنة أو صامتة، تقع في بداية الكلمة، أو في وسطها، أو في نهايتها. 

ومنها أيضا أصوات متحركة أو صائتة، أو حركات، لا تقع أبدا في بداية الكلمة العربية، بل تظهر بعد الأصوات الساكنة، في وسط الكلمة أو في آخرها.

وفي هذا الڤيديو أود أن أنبه إلى ألا نخلط مصطلح ”الصوت الساكن“، أو الصامت، بـ”الحرف الساكن“، أي الحرف الذي يُشكّلُ في الكتابة بعلامة السكون، مثل النون في (مِنْ وعَنْ). فحديثنا كله هنا عن الأصوات وليس عن الحروف.

ومسألة ”تلاقي صوتين ساكنين“ من الناحية الصوتية هي في الحقيقة:

تتابعُ صوتين صامتين ليس بينهما حركة أو صوت صائت. 

ومن حيث الشكل المكتوب هي تتابع حرفين مشكلين بعلامة السكون، كما يحدث عند الوقف على الفعل الماضي في:

(أنا كَــتَــبــْـتْ)

ودعوني أذكر هنا بمثالين:

١- (مِنْ) + (الْبَيت)

٢- (قدْ) + (اشْترى)

في المثال الأول لدينا نون ساكنة وقعت في نهاية كلمة (مِنْ)، تبعتها لام ساكنة وقعت في بداية كلمة (الْبيت).

وفي المثال الثاني لدينا دال ساكنة في نهاية كلمة (قَدْ)، تبعتها شين ساكنة في بداية الفعل (اشْترى) 

وربما يسأل سائل:

لكن كلمة (الْبيت) لا تبدأ بحرف اللام، بل بالألف، فلا تتابع بين نون (مِنْ) ولام (الْبيت)،

وكذلك الفعل (اشْترى) لا يبدأ بحرف الشين، بل بالألف، فلا تلاقي بين الدال في (قدْ)، والشين في (اشْترى)؟

وهذه فعلا ملاحظة جيدة، وتعليقًا عليها أقول: 

هناك وجهان لهذين المثالين: لا ينبغي لنا الخلطُ بينهما:

الوجه الأول: هو الشكل المكتوب الذي يتكون من حروف، ونلحظ فيه فعلا وجودَ فاصلٍ بين نون (مِنْ) ولام (الْبيت)، وبين دال (قدْ) والشين في (اشْترى). وهذا الفاصل هو تلك الألف التي نسميها همزة الوصل. وقد سميت هكذا لأنها تصل نطقا ما قبلها بما بعدها.

أما الوجه الثاني: فهو الصيغة المنطوقة للمثالين. 

وحتى ندرك هذه الصيغة المنطوقة، تعالوا نكتبها بطريقة صوتية، تُمثَلُ فيها الأصواتُ المنطوقة فقط، هكذا:

(مـــ ـِـــ نـْ + لـْـ بــ ــَـ يـْـ تـ)

(قــ ــَـ دْ + شْــ تــ ــَـ رــَ ــَ )

وهنا نلاحظ غياب همزة الوصل في النطق، وتتابع نون (مِنْ) في النطق مع لام (الْبيت)، وتتابع دال (قدْ) في النطق مع شين (اشْترى). 

ووظيفة همزة الوصل في الكلمات المُعرَّفة باللام هي أن تساعدنا على نطق اللام الساكنة إذا وقعت في بداية الكلام. فهي حرف يعمل بوصفه جسرا نضع عليه حركة ما تمكننا من نطق لام التعريف الساكنة، ولا قيمةَ صوتيةً له في النطق.

وهذا الحرف يكتب عادة في بداية الكلمات التي أولها حرف ساكن، لأنه لا يجوز بدء أي كلمة عربية بساكن يتبعه ساكن آخر، كما في كلمة (الْبيت). وكما حدث أيضا في الفعل (اشْترى) الذي يبدأ بشين ساكنة.

ولكن ما مواقعُ الكلام التي تظهر فيها حالات التقاء الساكنين في العربية؟

أولا: لا يظهر ساكنان متتابعان في وسط أيِ كلمةٍ في اللغة العربية.

ثانيا: يمكن وقوع ساكنين في نهاية الكلمة، عند الوقف لانتهاء الكلام.

كما مثلت لذلك بـ:

أنا كَتَبْتْ (كـ -َ تـ -َ بـْ تْـ) 

ثالثا: يقع الساكنان بين كلمتين، عندما تنتهي الكلمة الأولى بصوت ساكن، ثم تبدأ الكلمة الثانية بساكن آخر. وهذه الحالة تمثل معظم أمثلة تلاقي الساكنين. كما مثلنا لذلك بـ:

(مِنْ + الْبيت)

رابعا: يتلاقى الساكنان أيضا عندما تنتهي كلمة بصوت مدٍ، أي حركة طويلة، ثم تتبعها كلمةٌ يقع في بدايتها صوت ساكن. في مثل:

(إلى + الْمدرسة)

وسوف أتناول هذه الحالة في ڤيديو خاص إن شاء الله.

وفي الڤيديو التالي سأتناول تحريكَ تتابعِ الصوتين الساكنين عندما يظهران بين كلمتين، فإلى اللقاء.

للمشاركة على :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

البحث

محمد العشيري

عملت محاضرًا في اللغة والثقافة العربية في جامعة برمنجهام البريطانية. درَستُ علم الأصوات اللغوية وعلم اللغة وتخصصت فيهما، ثم درَّستهما فيما بعد. وتشمل مجالات اهتمامي علوم اللغة العربية، والخطاب الإسلامي، واللغة في وسائل الإعلام. عملت أيضًا في جامعة وستمنستر في لندن، وجامعة عين شمس المصرية في القاهرة. وعملت مذيعا ومقدم ومعد برامج في هيئة الإذاعة البريطانية. من بين مؤلفاتي: “أصوات التلاوة في مصر: دراسة صوتية، و“عربية القرآن: مقدمة قصيرة”، و”كتاب الزينة في الكلمات الإسلامية والعربية لأبي حاتم الرازي: دراسة لغوية”. ونشرت مجموعة قصصية تحت عنوان “حرم المرحوم” وكتبا أخرى.