ما الأسرار الصوتية في كلمة “دابّة”؟

ما سر كلمة "دابة"؟

كلمة ”دابّة“ إحدى الكلمات التي تكلم عنها اللغويون القدماء وعلماء التجويد.

لكن لماذا، وهل في تركيب الكلمة الصوتي شيء غير معتاد؟

تعالوا أولا ننظر إلى مكونات الكلمة من الناحية الصوتية، عندما نقف على آخرها.

أول ما نلاحظه في الكلمة هو اشتمالها على صوت مد هو ”ا“ 

ووجود صوت مشدد في وسط الكلمة عقب صوت المد، هو ”ب“ يتكون من ”بْـ“ ساكنة تتبعها ”بَـ“ متحركة

وتتكون الكلمة في حالة الوقف على آخرها من مقطعين صوتيين، هما: دابْـ + بَـهْ 

وعناصر المقطع الأول هي: 

صوت ساكن هو ”د“ + حركة طويلة هي ”ا“ + صوت ساكن هو ”ب“

أما عناصر المقطع الثاني فهي:

صوت ساكن هو ”ب“ + حركة هي ”فتحة“ + صوت ساكن هو ”هـ“.

هل يذكركم المقطع الأول بشيء تحدثنا عنه في الڤيديوهات السابقة؟

لعلكم تذكرون ما قلناه عن وقوع أصوات المد عندما تظهر في نهاية كلمة، مثل الفتحة الطويلة في ”إلى“، قبل صوت ساكن في الكلمة التالية، مثل اللام الساكنة في ”الْمدرسة“.

وقلنا إن هذا يمثل حالة من حالات التقاء الساكنين.

وقلنا أيضا إن علينا أن نقصر الفتحة الطويلة إلى فتحة قصيرة في النطق فقط حتى نتفادى التقاء الساكنين.

ونحن نواجه في وسط كلمة ”دابة“، في مقطعها الأول ”دابْـ“ حالة التقاء الساكنين نفسَها. إذ لدينا صوت مد، ”حركة طويلة هي الفتحة“، يتبعها صوت ساكن هو ”بْـ“.

فماذا نفعل؟

قبل أن نجيب عن هذا السؤال يجب أولا أن نقول إن هذه الحالة من تلاقي الساكنين في وسط الكلمة حالة خاصة ولا تظهر إلا في كلمات قليلة وردت في القرآن الكريم، منها ”ضالّين“، و”الطامة“، و”الصاخة“. 

وهذه هي حالة تلاقي الساكنين الوحيدة التي تظهر في وسط الكلمة، بحسب معلوماتي. 

ولذلك قلت في ڤيديو سابق عندما تحدثت عن مواضع تلاقي الساكنين في العربية:

لا يظهر ساكنان متتابعان في وسط أيِ كلمةٍ في اللغة العربية“.

وهذا صحيح إن كنا نتحدث عن ظهور صوتين ساكنين عاديين متتابعين، ليس منهما صوتُ مد، كما هو الحال في كلمةدابّة“.

ونعود إلى السؤال عن كيفية تفادي التقاء الساكنين في هذه الحالة.

ما نفعله في الحالات المماثلة، في مثلإلى + الْمدرسة“: 

هو تقصير صوت المد (الحركة الطويلة = ا) إلى فتحة، فلا يعود لدينا ساكنان متتابعان. 

فهل نستطيع أن نفعل ذلك فيدابة، وفي وضالين، وطامة، وصاخة؟ 

لا، لن نسطيع تطبيق هذا الحل، لأن صوت المد في هذه الكلمات جميعا جزء أساسي من صيغتها الصرفية. وهذه الصيغة هي اسم الفاعل، ووزنهافاعل“. ولا يمكن أبدا تقصير المد إلى فتحة فقط، لأن هذا سيخل بالصيغة. 

ولهذا نبقي على صوت المد، أو الفتحة الطويلة كما هي حفاظا على صيغة اسم الفاعل. ونظرا لأن هذه الكلمات جميعا كلمات قرآنية، وحتى لا ينحو القراء عند نطقها إلى تقصير صوت المد، نصت قواعد التجويد على وجوب تطويل صوت المد اذي يقع قبل صوت مشدد إلى ما يعادل ست حركات قصيرة. وهذا ما يسمونه بالمد اللازم. فنقول:

دابة، ضالين، طامة، صاخة.

وإلى لقاء في ڤيديو آخر إن شاء الله تعالى.   


اكتشاف المزيد من أَسْرُ الْكلام

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

للمشاركة على :

اترك تعليقك

البحث

محمد العشيري

عملت محاضرًا في اللغة والثقافة العربية في جامعة برمنجهام البريطانية. درَستُ علم الأصوات اللغوية وعلم اللغة وتخصصت فيهما، ثم درَّستهما فيما بعد. وتشمل مجالات اهتمامي علوم اللغة العربية، والخطاب الإسلامي، واللغة في وسائل الإعلام. عملت أيضًا في جامعة وستمنستر في لندن، وجامعة عين شمس المصرية في القاهرة. وعملت مذيعا ومقدم ومعد برامج في هيئة الإذاعة البريطانية. من بين مؤلفاتي: “أصوات التلاوة في مصر: دراسة صوتية، و“عربية القرآن: مقدمة قصيرة”، و”كتاب الزينة في الكلمات الإسلامية والعربية لأبي حاتم الرازي: دراسة لغوية”. ونشرت مجموعة قصصية تحت عنوان “حرم المرحوم” وكتبا أخرى.

اكتشاف المزيد من أَسْرُ الْكلام

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading