سألني صديق عن تفسير ما يحدث في كلمة ”ليس“، من الناحية الصوتية، عندما تَلحق بها الضمائرُ المتصلة، مثل ضمير المتكلم ”تُ“، حينما أقول مثلا أنا: لستُ مهندسا فكيف أصبحت ”لَـيْـس + تُ“ = ”لَـسْـتُ“؟
أولا وظيفة ”ليس“ الأساسية في العربية هي النفي، كما لاحظنا في الجملة السابقة: أنا لستُ مهندسا وللمستشرق الإنجليزي وليام رايت، الذي كتب كتابا قيّما بالإنجليزية عن النحو العربي، رأي طريف في أصل كلمة ”ليس“. يقول فيه إنها مكونة من ”لا“ و”أيس“. والـ ”أيْس“ في العربية كلمة قديمة تعني الوجود أو الكينونة، أي لا يوجد. والعرب يقولون: ”اِئت به من حيثُ أيسَ وليسَ“، أي من حيث يكون ولا يكون.
ويتحدث نحاة العربية عن ”ليس“ بوصفها فعلا جامدا، لأنك لا تجد لها سوى صيغة واحدة، هي صيغة الماضي، ولا توجد لها صيغةً للمضارع أو الأمر. لكن الزمن الذي تدل عليه ”ليس“ عند النفي في جملة ”أنا لستُ مهندسا“ هو الزمن المضارع، وليس الماضي. ويستدلون على أنها فعل بإلحاق الضمائر المتصلة بها. وهذه لا تلحق إلا الأفعال. إذ نقول أنا لستُ، كما نقول، أنا ذهبتُ. ونقول الصحفية ليستْ بريطانية، كما نقول الصحفية ذهبتْ إلى مكتبها.
وحتى نعرف العمليات الصوتية التي تتابعت على ”ليس“، يجب أن نشير إلى مسألتين:
أولا: التغيرات الصوتية التي تطرأ على ”ليس“ هي نفسها التغيرات التي يتعرض لها الفعل الماضي.
ثانيا: ”ليس“ باعتبارها فعلا، تعامل من حيث الأصوات التي تتكون منها، معاملة الفعل الأجوف: أي الفعل الذي يقع في وسطه أحد أصوات المد، أو اللين. ونحن نعرف من فيديوهات سابقة أن أصوات المد هي ”ا، و، ي“. وهي كما قلنا حركات طويلة. فالألف رمز لـ”a+a“، والواو رمز لـ”u+u“، والياء رمز لـ”i+I“.
وهذه الحركات الطويلة تتكون من عنصرين متماثلين.
أما أصوات اللين، فهي أيضا حركات طويلة تتكون من عنصرين، لكنهما غير متماثلين.
وهذان العنصران إما: الفتحة تتبعها الكسرة، ”i + a“، كما في بَـيْـت = bait ولَـيْـسَ = laisa وإما الفتحة تتبعها ضمة، ”a + u“، كما في لَــوْن = laun وكَــوْن = kaun
والآن نعود إلى ما يحدث للفعل الماضي في العربية عند إلحاق الضمائر المتصلة به. ولنضرب مثالا بأربعة أفعال أولها فعل عادي والثلاثة الأخرى أفعال جوفاء، أي يقع في وسطها صوت مد أو لين. ولنلحق بكل منها ضميرا متصلا ثم تاءَ المؤنث الساكنة لنرى ماذا يحدث في كلتا الحالتين. لنأخذ مثالا الأفعال التالية: ضرب، ومَالَ وقَالَ، ولَيْس.
١- ضَرَبَ تصبح في الماضي مع المتكلم = ضَرَبْـ + تُ = ضَرَبْتُ فالفعل الماضي عند إلحاق ضمير متصل به ينتهي بصوت ساكن فنقول ضربْتُ، وكتبْتُ، ودرسْتُ
٢- لكن الفعل ضَرَبَ لا يطرأ عليه أي تغيير بعد إلحاق تاء المؤنث به. فنقول الطائرة ضَرَبَتْ، وقَصَفَتْ، وهاجَمَتْ.
٣- مَالَ وقال: لمعرفة ما يحدث فيهما يجب العودة إلى صيغة المضارع منهما لتحديد أصل صوت المد. ومضارع مالَ يميل، أما مضارع قال فيقول. فصوت المد الأصلي في مال هو ”الياء“، وفي قال هو ”الواو“.
ولتصريف الماضي منهما نفعل ما يلي:
الخطوة الأولى: نحذف ياء المضارع: فيصبح يَمِيلُ = مِيْلُ. ويصبح يَقولُ = قُوْلُ
الخطوة الثانية: حتي نُلحق أيَ ضمير متصل مثلِ ”تُ“، بالفعل يجب أن نسكن آخر الفعل: فتصبح مِيْلُ = مِيْلْ. وتصبح قُوْلُ = قُوْلْ ونتيجة لهذه الخطوة يلتقي ساكنان: صوت المد الطويل والساكن في نهاية الفعل. فماذا نفعل؟
الخطوة الثالثة: لتفادي الساكنين علينا أن نقصر صوت المد الطويل إلى حركة قصيرة، ونحذف رمز المد كتابة. وهنا: تصبح مِيْلْ = مِلْ، وتصبح قُوْلْ = قُلْـ
الخطوة الرابعة أن نضيف الضمير المتصل، فنقول: مِلْتُ وقُلْتُ وهذه هي الخطوات نفسها التي نتبعها مع ”ليسَ“، فيما عدا الخطوة الأولى، وهي حذف ياء المضارع، لأن صيغة ليس هي صيغة الفعل الماضي.
الخطوة الأولى إذن: نسكن آخر الفعل، فتصبح لَـيْـسَ = لَـيْـسْ ونتيجة لهذه الخطوة يتتابع ساكنان، وعلينا نفادي ذلك.
الخطوة الثانية: نقصر صوت المد الطويل بحذف العنصر الثاني، وهو الياء. فتصبح لَـيْـسْ = لَــسْـ
الخطوة الثالثة: إضافة الضمير المتصل، فتصبح لَــسْـ = لَــسْــتُ
وهذه هي حكاية ليس في العربية. وإلى لقاء في ڤيديو آخر.
مرتبط
اكتشاف المزيد من أَسْرُ الْكلام
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.