چورچا ميلوني: رئيسة وزراء إيطاليا تنصف المرأة واللغة

چورچا ميلوني تنتصر للغة

تراجعت رئيسة مجلس الوزراء في إيطاليا اليوم (٢٩ أكتوبر ٢٠٢٢) عن مذكرة حكومية كانت قد أصدرتها نهاية الأسبوع الماضي وحددت فيها لقبها الرسمي، وقرئت رسالة بهذا الفحوى في البرلمان.

وأثارت تلك المذكرة الرسمية غضب دعاة النسوية في إيطاليا.

ويرجع سبب غضب هؤلاء الدعاة والداعيات إلى أن السيدة Giorgia Meloni، التي ينطق اسمها بالإيطالية هكذا: ”چورچا ميلوني“، كانت قد ارتضت لنفسها بأن تلقب بـ”رئيس مجلس الوزراء“ بصيغة المذكر.

وأصل الحكاية هو أن منصب رئيس أو رئيسة الوزراء يطلق عليه في الإيطالية ”رئيس مجلس الوزراء“.

وللأسماء في اللغة الإيطالية، مثل العربية وعلى خلاف الإنجليزية، صيغتان: إحداهما للمذكر والأخرى للمؤنث.

فإذا تولى رئاسة مجلس الوزراء رجل فهو يلقب بـ:

(“il” Presidente del Consiglio)

أي رئيس المجلس. وأداة التعريف ”il“ هي الأداة التي تسبق المذكر.

أما إذا تولت رئاسة المجلس سيدة، مثل ميلوني، فهي تلقب بـ:

(“la” Presidente del Consiglio)

لكن ميلوني آثرت صيغة المذكر، في تلك المذكرة بالرغم مما قالته قبل ذلك في خطاب ألقته في عام ٢٠١٩ وحددت فيه هويتها وسط تهليل مناصريها:

”أنا چورچا، أنا امرأة، أنا أم، أنا إيطالية، أنا مسيحية، ولا يستطيع أي منكم تجريدي من هذا.“

وغالى مكتب چورچا ميلوني عندما أعلن عقب صدور مذكرتها الأولى أن لقبها الرسمي يجب أن يتضمن أيضا لفظ ”signor“، أي السيد (أي السيد رئيس مجلس الوزراء).

وربما كان دافع ميلوني إلى اختيار صيغة المذكر في مخاطبتها هو نصيحة خبراء البروتوكول في حكومتها، الذين رأوا – متأثرين بظلال ”الذكورية“ في المجتمع الإيطالي – أنها الصيغة الأنسب والأكثر لياقة.

لكن الداعية النسوية، لورا بولدريني، عضوة البرلمان، التي شغلت هي الأخرى منصب ”الرئيسة – la presidente“ في مجلس النواب، والتي انتقدت الخيار اللغوي الذي تبنته ميلوني، تعلل لجوء چورچا إلى ذلك الخيار بالاسم الذي يعرف به حزبها، وهو ”Fratelli d’Italia“، أي إخوة إيطاليا، وهو اسم مستقى من النشيد الوطني، وليس ”أخوات إيطاليا“.

واليوم تراجعت چورچا عن مذكرتها وقرارها السابق. وأصدرت تعميما جديدا أوضحت فيه أنها لا تريد مخاطبتها بـ”رئيس مجلس الوزراء“، بل بصيغة المؤنث، أي ”رئيسة مجلس الوزراء – la” Presidente del Consiglio“، ودعت إلى تجاهل المذكرة الأولى.

وحسنا فعلت چورچا، فهي بذلك انتصرت لطبيعة اللغة الإيطالية غير المنحازة، التي تخلو من أي قاعدة ملزمة باستخدام صيغ المذكر في مخاطبة الإناث. وليست المسألة برمتها سوى هيمنة أحكام اجتماعية، من بينها ما نعرفه في لغتنا العربية بباب”تغليب المذكر“، تحدثت عنه في مقالة سابقة.

وياليتنا نفعل مثلما فعلت رئيسة مجلس الوزراء الإيطالي، وننصف اللغة المفترى عليها، ونجافي الأحكام الاجتماعية ”الذكورية“ التي لا تمت للغة بصلة.


اكتشاف المزيد من أَسْرُ الْكلام

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

للمشاركة على :

اترك تعليقك

البحث

محمد العشيري

عملت محاضرًا في اللغة والثقافة العربية في جامعة برمنجهام البريطانية. درَستُ علم الأصوات اللغوية وعلم اللغة وتخصصت فيهما، ثم درَّستهما فيما بعد. وتشمل مجالات اهتمامي علوم اللغة العربية، والخطاب الإسلامي، واللغة في وسائل الإعلام. عملت أيضًا في جامعة وستمنستر في لندن، وجامعة عين شمس المصرية في القاهرة. وعملت مذيعا ومقدم ومعد برامج في هيئة الإذاعة البريطانية. من بين مؤلفاتي: “أصوات التلاوة في مصر: دراسة صوتية، و“عربية القرآن: مقدمة قصيرة”، و”كتاب الزينة في الكلمات الإسلامية والعربية لأبي حاتم الرازي: دراسة لغوية”. ونشرت مجموعة قصصية تحت عنوان “حرم المرحوم” وكتبا أخرى.

اكتشاف المزيد من أَسْرُ الْكلام

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading