يوميات صائم: هل يحب ختم القرآن في رمضان؟

يوميات صائم: ختم القرآن

كيف نتعامل مع القرآن الكريم في رمضان؟

لماذا ينكب كثير من المسلمين على تلاوة القرآن الكريم في شهر رمضان، ويهجرونه في الأشهر الأخرى؟

وهل أُمر المسلم بـ”ختم“ القرآن الكريم، ”ختمة“ أو ”ختمتين“ أو أكثر في رمضان؟

وما هدي نبع الإسلام الصافي في هذا؟

ربما يرجع انكبابُ المسلمين على القرآن تلاوةً وقراءةً في شهر رمضان إلى آيات الصوم التي تقول: ”شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن“، مما وثق علاقة الكتاب العظيم بالشهر الكريم.

وقد يكون دافع بعضنا أيضا ما ورد في كتب السنة عن عرض جبريل عليه السلام القرآنَ كلَه على نبينا الكريم مرة كل عام، وقيل إنه عرضه مرتين في السنة التي توفي فيها.

لكن ما الذي يقوله القرآن في هذه المسألة؟

تدعونا آيات الكتاب الكريم إلى قراءة القرآن وتلاوته أو ترتيله، والالتزام ببعض الآداب فيها. وتؤكد هذه الدعوة آيات عدة، منها:

”فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم“ (النحل: ٩٨)

”فاقرأوا ما تيسر من القرآن“ (المزمل: ٢٠)

”وأمرت أن أكون من المسلمين وأن أتلو القرآن“ (النمل: ٩٢)

”ورتل القرآن ترتيلا“ (المزمل: ٤)

”وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث“ (الإسراء: ١٠٦)

وترشدنا هذه الآيات إلى ثلاثة أمور:

أولها: بدء القراءة بالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، الذي سيسعى إلى تثبيط همة القارئ، أو إلهائه عنها.
ثانيها: قراءة جزء يسير، أو ما تيسر، من القرآن دوريا، حتى يستطيع القارئ تدبرَ ما يقرؤه واستيعابَ معانِيه والعملَ بمقتضاه.
ثالثها: التمهل والتأني في القراءة، لأن هذا يساعد القارئ على الاستيعاب إن كان يقرأ لنفسه، ويُعين أيضا من يتلو لهم، على الفهم والمتابعة.

ولا شك في أن اتباعنا لهذه الإرشادات سيساعدنا على ”تدبر“ معاني القرآن الكريم، الذي هو الغاية من وراء التلاوة. وتمعنوا معي في التقريع الذي ورد في آيتي سورة النساء وسورة محمد التاليتين:

”أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا“ (النساء: ٨٢)

و”أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها“ (محمد: ٢٤)

وجاء ذلك التقريع في الوقت الذي كانت تتنزل فيه آياتُ الله، والنبي الكريم بين المسلمين، فما بالك بمسلمي اليوم، الذين قد بعدت بهم الشقة، والذين قد يهجر بعضهم القرآن شهورا ليعود إليه في رمضان، ساعيا إلى ختمه كله ختمة أو ختمتين، وقليل منهم في ظني، وأرجو أن أكون مخطئا، من يتريث في القراءة فيفوتُه تدبرُ المعاني.

ولن يستطيع المسلمون الاستهداء بآيات الله تعالى إن لم يتدبروا معانيَها.

وخير للمسلم – سواء أكان صائما أم مفطرا – أن يقرأ في يومه خمسَ آيات أو عشرا ويتدبرَ معانيَها، من قراءة جزء كامل لإتمام ختمة بلا تدبر.
ولا ننسى أن من إرشادات الله لنا ”فاقرأوا ما تيسر من القرآن“، ففينا المسافر وفينا المريض وفينا الساعي على رزقه، وفينا الواقف على حدود بلاده لحراستها.

وخير التلاوة – كما يعلمنا القرآن الكريم – تلاوة الفجر والتهجد به ليلا: ”وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا (٧٨) ومن الليل فتهجد به نافلة لك“ (٧٩) – الإسراء.

وأخيرا أقول إن من أدوات التدبر الأخرى التي نُغفلها حسنَ الاستماع ولذلك أمرنا الله تعالى بالاستماع وبالإنصات عند سماع القرآن الكريم:

”وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا“ (المائدة: ١٠١)

للمشاركة على :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

البحث

محمد العشيري

عملت محاضرًا في اللغة والثقافة العربية في جامعة برمنجهام البريطانية. درَستُ علم الأصوات اللغوية وعلم اللغة وتخصصت فيهما، ثم درَّستهما فيما بعد. وتشمل مجالات اهتمامي علوم اللغة العربية، والخطاب الإسلامي، واللغة في وسائل الإعلام. عملت أيضًا في جامعة وستمنستر في لندن، وجامعة عين شمس المصرية في القاهرة. وعملت مذيعا ومقدم ومعد برامج في هيئة الإذاعة البريطانية. من بين مؤلفاتي: “أصوات التلاوة في مصر: دراسة صوتية، و“عربية القرآن: مقدمة قصيرة”، و”كتاب الزينة في الكلمات الإسلامية والعربية لأبي حاتم الرازي: دراسة لغوية”. ونشرت مجموعة قصصية تحت عنوان “حرم المرحوم” وكتبا أخرى.