سؤال في اللغة: هل نقول عنصر “رئيس” أو “رئيسيّ”؟

هل نقول: عنصر رئيس أم رئيسيّ؟

أيهما أصح: العناصر الرئيسة أم العناصر الرئيسية؟

وحتى أجيب عن السؤال تعالوا أولا نعرف الفرق بين:

”رئيس“، و ”رئيسيّ“

وهنا يساعدنا علم الصرف العربي، لأن أسسَه ستوضح لنا هذا الفرق.

أولا: كلمة ”رئيس“ على وزن ”فعيل“، وهي من صيغ المبالغة، وهي من المشتقات الوصفية، وهي أيضا بمعنى اسم الفاعل وتدل على التكثير والمبالغة والتأكيد في المعنى. وتدل على الوصف، مثلَ اسم الفاعل.

ثانيا: كلمة ”رئيسيّ“، مكونة من عنصرين، هما ”رئيس“، و“ياء النسبة“. (رئيسـ + ـىّ).

ولكن ما وظيفة ”ياء“ النسبة؟ 

ياء النسبة أولا ياء مشددة، لكن بعض الناطقين بالعربية في أيامنا هذه، أخذوا يهملون تشديدَها، خاصة إذا وقعت في نهايات الجمل، فبدأت تختلط بياء الملكية، غير المشددة. 

فهناك فرق بين ياء الملكية في كلمة مثلِ ”كتابِي“، وياء  النسب في عبارة مثلِ (هو رجل ”كتابيّ“)، أي من أهل الكتاب. والفرق هو في تخفيف الأولى، وتشديد الثانية.

ثالثا: ربما لاحظنا في كلمة ”كتابيّ“ أنها صفة وصفت الرجل بأنه من أهل الكتاب. وهذه هي وظيفة ياء النسب: أي أنها تحول الاسم ”الجامد“، مثل كتاب، إلى صفة يمكن استعمالها في وصف إنسان ما.

وهذا أيضا ما حدث في:

مصر: فهي (اسم جامد) > تحول إلى صفة بعد إضافة الياء فقلنا مصريّ

وعرب: فهي (اسم جامد) > تحول إلى صفة بعد إضافة الياء فقلنا عربيّ

رابعا: قلت إن كلمة ”رئيس“ في حد ذاتها صفة لأنها جاءت على صيغة تستعمل في الوصف، فكيف نضيف إليها ”ياء“ النسب التي تحول الاسم إلى صفة؟

هذا ما يرفضه النحاة، ويرون أنه خطأ. 

فالتعبير الصحيح إذن، من وجهة نظر النحاة، هو:

 العناصر ”الرئيسة“.

لكن دعوني أصارحكم بصراع  أشعر به مع هذا التعبير. إنه صراع من نوع غريب، ربما لا يجابهه إلا قليل من دارسي العربية.

وهو صراع داخلي لديّ، بين النحويّ، واللغوي.  فقد درست النحو العربي، لكني عكفت أكثر فيما بعد على درس علم اللغة. ومنهجُ كلِ واحدٍ منهما يخالف الآخر.

ولما أزل أذكر كتابَ عالمِ اللغة البريطاني، ديفيد كريستال، (What is Linguistics?) وهو أول كتاب قرأته بالإنجليزية عن علم اللغة، وكان فيه شرحٌ للفرق بين المنهجين. 

وأذكر أيضا بامتنان كتابَ أستاذِنا عالمِ اللغة المصري الدكتور تمام حسان، رحمه الله (اللغة بين المعيارية والوصفية)، وهو أيضا من أوائل كتب علم اللغة التي تعلمنا منها بالتفصيل الفروق بين المنهجين.   

وعنوان كتابِهِ دال على الفرق بين منهج النحوي – grammarian، المعياريّ، أي prescriptive أي الذي يقيس الظواهر اللغوية بميزان أو معيار الصواب، والخطأ.

أما منهجُ عالمِ اللغة linguist، فهو منهج وصفيّ، descriptive يصف الظواهر اللغوية التي يواجهها أو يتعامل معها، دون أن يحكم عليها بالصحة أو الخطأ.

وأجدني أمام التعبيرين اللذين طرحهما صديقنا العزيز الأستاذ محمد الدسوقي في صراع. 

فأحدهما يخالف قواعد اللغة، أما الآخر فيتوافق معها.

لكنْ هناك عاملان يرجحان أحدَهما على الآخر، في رأيي.

أما العامل الأول: فهو طبيعة اللغة التي تأبى التحجر، وتنحو إلى التغير، من خلال الاستعمال. ولن نفلح أبدا إن حاولنا سد الطريق أمام تغيرها. ولدينا في تعبير: (العناصر الرئيسية) مثال حي على هذا التغير، الذي يخالف قاعدة نحوية، لكنه منتشر، بسلاسة على الألسنة.

أما العامل الثاني فيتعلق بطبيعة التغير المخالف لقواعد اللغة. وهو ذو شقين: أحدهما أن المخالفة النحوية في التعبير السابق، (العناصر الرئيسية) ليست مخالفة في العمود الفِقْري في اللغة، أما الشق الثاني، فهو أن الالتزام بمثل تلك القاعدة النحوية، 

وهي عدم استعمال ياء النسبة مع المشتقات الوصفية، مثل صيغِ المبالغة، واسم الفاعل، والصفة المشبهة، في لغة الصحافة والإعلام هذه الأيام، قد يؤدي إلى اللبس. 

وهدف اللغة الأسمى، (وهي وسيلةُ تواصل بين الناس)، هو الوضوح  في المعنى، وأمن اللبس.

وأحسب أن تعبير (العناصر الرئيسة) الموافق للقاعدة قد يفضي إلى التباس المعنى وغموضه، خاصة مع صعود كثير من النساء إلى منصب الرئاسة.

وفي النهاية لا أرى غضاضة أبدا في استخدام (العناصر الرئيسية، والأساسية)، فقد ابتعدت تلك الكلمات لكثرة شيوعها، عن صيغتها الصرفية المشتقة، التي تمنع إضافة ياء النسب إليها، وأصبحت تُعامل في العربية اليوم معاملة الأسماء الجامدة، وقد يكون في ذلك مسوغ لمخالفة القاعدة.

كما خالفناها في بعض صيغ اسم الفاعل، وهي أيضا مشتقة، واستعملناها بعد إضافة ياء النسب إليها. ومن ذلك: فلانٌ ناصريّ، وأسلوبٌ شاعري، وهو حاتمي الكرم، وأستاذ جامعي.

 وهذه هي طبيعة اللغة.


اكتشاف المزيد من أَسْرُ الْكلام

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

للمشاركة على :

اترك تعليقك

البحث

محمد العشيري

عملت محاضرًا في اللغة والثقافة العربية في جامعة برمنجهام البريطانية. درَستُ علم الأصوات اللغوية وعلم اللغة وتخصصت فيهما، ثم درَّستهما فيما بعد. وتشمل مجالات اهتمامي علوم اللغة العربية، والخطاب الإسلامي، واللغة في وسائل الإعلام. عملت أيضًا في جامعة وستمنستر في لندن، وجامعة عين شمس المصرية في القاهرة. وعملت مذيعا ومقدم ومعد برامج في هيئة الإذاعة البريطانية. من بين مؤلفاتي: “أصوات التلاوة في مصر: دراسة صوتية، و“عربية القرآن: مقدمة قصيرة”، و”كتاب الزينة في الكلمات الإسلامية والعربية لأبي حاتم الرازي: دراسة لغوية”. ونشرت مجموعة قصصية تحت عنوان “حرم المرحوم” وكتبا أخرى.

اكتشاف المزيد من أَسْرُ الْكلام

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading