الحشو في اللغة: متلازمة ”تَمَّ“ المرضية!

متلازمة تمّ المرضية

يستشري بين الصحفيين في العربية منذ فترة مرض أسميه ”متلازمة تَمَّ“.

ولهذا المرض عرضان يصاحبانه:

أولهما: فقدان الشهية في استخدام صيغة المبني للمجهول في اللغة، بل كراهيتها إلى درجة البغض

ثانيهما: الإقبال بشراهة على استخدام صيغتي الماضي والمضارع لفعل ”تَمَّ-يَتِمُّ“، الذي خطف من بين أقرانه وكُتبت عليه مصاحبة مصادر كل ما هب ودب من الأفعال الأخرى قسرا

وبعد بحوث ومناقشات تبين لنا أن السبب وراء تفشي تلك العلة، التي ما زلنا في انتظار تصنيف منظمة التربية والعلوم والثقافة العربية (الإسيسكو) لها بوصفها وباء لغويا، هو غياب علامات التشكيل.

إذ إن الفعل المبني للمجهول المسكين لا يستغني في وجوده عن الضمة في أوله سواء في صيغة الماضي، كما في كُتب، أم في المضارع، كما في يُكتب.

ولما هاجمتنا الصحافة بجلالة قدرها، وانتشرت جرائدها وصحفها، التي كانت تصف في كتابة أخبارها ومقالاتها الأحرف حرفا حرفا، رأى بعض الكسالى من غير المستنيرين، ممن لم يقدروا عواقب الأمور تقديرا جيدا، الاستغناء عن علامات التشكيل التي كانت توضع فوق الأحرف الصماء أو تحتها.

وأدى هذا القرار الظالم إلى هجر الفعل المبني للمجهول بصيغتيه في الماضي وفي المضارع تخففا عند صف الحروف.

وكان لابد من التفتيش عن بديل له غير مرهق عند صف الحروف. وهنا تدخلت هيئات الإسعاف اللغوي الإنجليزية، التي يشيع فيها استخدام بعض الأفعال متبوعة بمصادر أفعال أخرى.

مثال:

I love reading

He enjoys travelling 

وتفتقت أذهان عن بعض أفعال، كان من بينها ”تم-يتم“. وأخذت هذا الأفعال، التي لا تحتاج إلى تشكيل ولا تمثل صعوبة لا في صف حروفها، ولا في قراءتها غفلا بلا تشكيل، تُستخدم قبل مصادر الأفعال الأصلية التي استغني عن صيغتي المبني للمجهول منها.

فقالوا في: 

      • نوقشت فكرة المشروع في الاجتماع   — تمت مناقشة فكرة المشروع في الاجتماع
  • لن يُعرض الفيلم مساء بسبب انشغال القاعة — لن يتم عرض الفيلم مساء بسبب انشغال القاعة
  • قُبض على المتهمين جميعا إلا واحدا — تم القبض على المتهمين جميعا إلا واحدا  

وهذه أمثلة من المواقع الإخبارية:

وهكذا قضت ”متلازمة تمَّ“ على الفعل المبني للمجهول في العربية، الذي كان يؤدي وظائف صرفية ولغوية جمة، قد نعرض لها في مقالة منفصلة.

وزادت تلك المتلازمة ظاهرة الحشو في اللغة العربية، وهي الظاهرة التي يتوهم بعض الصحفيين المتعجلين أنها تحل مشكلات يواجهونها عند صياغة الأخبار والتقارير وترجمتها. ولكنها من أسف زادت اللغة ترهلا. 

للمشاركة على :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

البحث

محمد العشيري

عملت محاضرًا في اللغة والثقافة العربية في جامعة برمنجهام البريطانية. درَستُ علم الأصوات اللغوية وعلم اللغة وتخصصت فيهما، ثم درَّستهما فيما بعد. وتشمل مجالات اهتمامي علوم اللغة العربية، والخطاب الإسلامي، واللغة في وسائل الإعلام. عملت أيضًا في جامعة وستمنستر في لندن، وجامعة عين شمس المصرية في القاهرة. وعملت مذيعا ومقدم ومعد برامج في هيئة الإذاعة البريطانية. من بين مؤلفاتي: “أصوات التلاوة في مصر: دراسة صوتية، و“عربية القرآن: مقدمة قصيرة”، و”كتاب الزينة في الكلمات الإسلامية والعربية لأبي حاتم الرازي: دراسة لغوية”. ونشرت مجموعة قصصية تحت عنوان “حرم المرحوم” وكتبا أخرى.