متى نستخدم “هكذا” و”كهذا” في الأساليب العربية الفصيحة؟

ما الفرق بين "كهذا" و "هكذا"؟

الإجابة المختصرة: كهذا (أو كهذه) تستخدم وصفا للكلمة التي تسبقها، في مثل: كتاب كهذا، أي مثل هذا. أما هكذا فتعني على هذا النحو، وتقع إما في بدايات الجمل وإما في نهاياتها، ولا تسبق أي كلمة أبدا لتدل على معنى كلمة “مثل”، وصفا لما قبلها. وتفصيل الإجابة في المقالة التالية.

مازلت أومن بأن أحد مصادر الأخطاء التي نرتكبها في اللغة العربية الفصيحة – نطقا وكتابة – هو ما يتسرب من لغاتنا اليومية الدارجة العامية. ولهذه اللغات، أو ما يسميه بعضنا في معظم الأحيان ”لهجات“ غلبة تتفلت من خلالها صيغ صرفية وكلمات وتراكيب إلى لغتنا الفصيحة عندما نتحدث وعندما نكتب.

وسأقدم اليوم مثالا واحدا، وهو استخدام تعبير ”هكذا“، في الأمثلة التالية التي استقيتها من بعض الكتابات المنشورة على الإنترنت.

١- في مثل هكذا مواقف نعطي للرجال حقهم في الثناء،

٢- أشمئز عندما أرى هكذا آراء،

٣- نعم نحتاج إلى هكذا تنظيم،

٤- المثقف في هكذا بلد.

ويرجع هذا الاستخدام إلى اللهجة العراقية، في معظم الأمثلة التي رأيتها. وهو ليس استخدما فصيحا، بل لهجي، أو عامي تطفل على اللغة الفصيحة، وأصبحنا نسمعه في بعض المحطات الفضائية، ونقرؤوه في بعض الصحف والمواقع.

وينبني هذا الاستخدام الخاطئ على فهم فاسد لتركيب كلمة (هكذا) وما تتكون منه من عناصر، وفهم أكثر فسادا للوظيفة اللغوية لهذه الكلمة.

وفي كلمة “هكذا” ثلاثة عناصر هي:

  • (الهاء) وهي حرف تنبيه، للفت انتباه السامع
  • (الكاف) حرف تشبيه، (أي مثل)
  • (ذا) اسم إشارة، وأسماء الإشارة تستخدم في حالتين، إما للإشارة إلى شيء أو شخص نراه بأعيننا ونريد التنبيه إليه، فنقول مشيرين: هذا كرسي، وهذا عامل. وإما للإشارة إلى ما نعرفه، أو من نعرفه أو عرفناه، فنقول: هذا الكرسي اشتريته العام الماضي، وهذا العامل من أصول مصرية.

ويستخدم هذا التركيب (هكذا) بمعنى “على هذا النحو”، كما سأبين.

وربما يتضح فساد الاستخدام العامي لهذا التركيب (هكذا) إن أعدنا صياغة الأمثلة الأربعة السابقة (١-٤) على النحو التالي:

١- في مثل (هـ) + (كـ = مثل) + (ذا=اسم إشارة) مواقف (جمع يدل على غير العاقل ويجب معه استخدام اسم الإشارة المفرد المؤنث (هذه). فهل يستقيم في العربية الفصيحة أن نقول: (في مثل مثل هذه مواقف)؟

٢- أشمئز عندما أرى (هـ) + (كـ = مثل) + (ذا=اسم إشارة) آراء (جمع يدل على غير العاقل ويجب معه استخدام اسم الإشارة المفرد المؤنث (هذه). فهل يستقيم في العربية الفصيحة أن نقول: (أشمئز عندما أرى مثل هذه آراء)؟

٣- نعم نحتاج إلى (هـ) + (كـ = مثل) + (ذا=اسم إشارة) تنظيم. فهل يستقيم في العربية الفصيحة أن نقول: (نعم نحتاج إلى  مثل هذا تنظيم)؟

٤- المثقف في (هـ) + (كـ = مثل) + (ذا=اسم إشارة) بلد. فهل يستقيم في العربية الفصيحة أن نقول: (المثقف في مثل هذا بلد)؟

هذه العبارات جميعا لا تستقيم في العربية. لكن كيف نعبر عن المعاني المرادة في تلك العبارات بلغة عربية صحيحة؟

الاستخدام الفصيح في مثل تلك الحالات هو:

٥- في مثل مواقف كهذه …..،

٦- أشمئز عندما أرى آراء كهذه

٧- نعم، نحن نحتاج إلى تنظيم كهذا

٨- المثقف في بلد كهذا

وتظهر الأمثلة السابقة (من ٥ إلى ٨) أن الاستخدام العربي الصحيح لهذا التركيب (كهذا/كهذه) هو أن يستخدم باعتباره صفة لكلمة سابقة له. ونظرا لأنه صفة فلا ينبغي لنا استخدامه أبدا إلا بعد الاسم الذي يصفه لأن الصفة في العربية تتبع الموصوف.

ويجب أيضا أن يوافق جنس الموصوف تذكيرا وتأنيثا. فنقول: (سيدة كهذه(كاتبة كهذه)، (تنظيم كهذا) (بلد كهذا).

“هكذا”:

وبعد، أقول إن للتركيب ”هكذا“ في الأمثلة (من ١ إلى ٤) معنى آخر في اللغة الفصيحة مختلفا تماما، إذ إنه يعني ”على هذا النحو“، كما ذكرت من قبل. وكان هذا التركيب يستخدم قديما في المرويات من الشعر واللغة والحديث، للتأكيد على رواية بعينها، أو على صيغة بذاتها، أو بلفظها، في مثل: ”أزَّ يؤزّ أزّا، هكذا حكاه ابن دريد“.

أما استخدامه في العربية الفصيحة في عصرنا الحالي فيتمثل في بدايات جمل، بمعنى “على هذا النحو”، من قبيل:

  • هكذا وضع بايدن لمساته في البيت الأبيض
  • هكذا حال المرضى في المستشفيات
  • هكذا بلغ الوضع بإسرائيل في معاملة الأسرى

وقد تغير استخدام التعبير ”هكذا“ في اللهجة العراقية المعاصرة، تغيرا في الوظيفة وفي الدلالة، وهو تغير يجب ألا نسمح بتسربه من اللهجة إلى المستوى الفصيح، كما حدث للأسف، ويجب أن نوحد جهودنا لوقف انتشاره.

لكن المشكلة الكبرى أن المتكلمين والكاتبين لا ينتبهون عادة إلى تسلل مثل هذه التعبيرات إلى أحاديثهم وكتاباتهم الفصيحة، فينشأ خلط يؤدي إلى سوء الفهم. وهذا ما ينبغي علينا دوما محاربته. وليس في محاربته أي دعوة إلى تجميد اللغة، أو تقديس القديم، بل إنها دعوة إلى تقدير واحترام غرض اللغة، والهدف الأسمى للتواصل بين المتحدثين، ألا وهو: وضوح المعنى والفهم.

للمشاركة على :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

البحث

محمد العشيري

عملت محاضرًا في اللغة والثقافة العربية في جامعة برمنجهام البريطانية. درَستُ علم الأصوات اللغوية وعلم اللغة وتخصصت فيهما، ثم درَّستهما فيما بعد. وتشمل مجالات اهتمامي علوم اللغة العربية، والخطاب الإسلامي، واللغة في وسائل الإعلام. عملت أيضًا في جامعة وستمنستر في لندن، وجامعة عين شمس المصرية في القاهرة. وعملت مذيعا ومقدم ومعد برامج في هيئة الإذاعة البريطانية. من بين مؤلفاتي: “أصوات التلاوة في مصر: دراسة صوتية، و“عربية القرآن: مقدمة قصيرة”، و”كتاب الزينة في الكلمات الإسلامية والعربية لأبي حاتم الرازي: دراسة لغوية”. ونشرت مجموعة قصصية تحت عنوان “حرم المرحوم” وكتبا أخرى.